السبت، 12 مارس 2011

اللقاء اللبناني للحوار: كيف نستعيد المبادرة؟

د. سعود المولى
في حزيران 2001 إنعقد في مونترو بسويسرا اللقاء اللبناني للحوار وضم 30 شخصية من شتى التيارات والطوائف والتكتلات (وخصوصاً حزب الله وقرنة شهوان)..وقد توافق المجتمعون على جعل اللقاء نواة لهيئة أهلية-مدنية للحوار تجتمع دورياً للتبصر في المتغيرات وتسعى إلى ترسيخ التضامن الوطني وتحقيق وحدة اللبنانيين حول ثوابتهم الرئيسة.
ولكن أعمال اللقاء تعطلت بعد تموز 2006 وكنتيجة لتفاقم الإنقسام بين كتلتي 8 و 14 آذار وخصوصاً مع تصاعد الميل إلى تضخيم الفروقات ومع تفشي ظاهرة التراشق بالتهم والتخوين والتكفيرعند كل حدث يشهده الواقع الإجتماعي أو السياسي..وهكذا وقفنا جميعاً عاجزين ونحن نشهد تراجع مجالات التلاقي بين اللبنانيين وخصوصاً لدى الشباب، وإنقطاع كل سبل الإتصال والتواصل بين أهل الرأي والفكر والسياسة وبين المهتمين بالشأن العام..
مؤخراً تنادى مؤسسو اللقاء (وأنا واحد منهم) إلى إعادة إطلاق هذا الجمع الحواري الوطني فالتقوا مرات عدة وحددوا موعداً مقبلاً (12 آذار) لجمعية عامة لكل أعضاء اللقاء هدفها التشاور في حالنا وحال بلادنا وفي ضرورة اللقاء وجدواه.
لقد حاول اللقاء اللبناني للحوار عند إطلاقه أن يكون إطاراً واعياً ومبادراً للبحث في أشكال مقاومة التطييف وآلياته، ورصد مواقع التوترات قبل إنفجارها، وتحليل الخطاب السياسي الطائفي تحليلاً تقويمياً قبل تفاقمه..كما سعى لأن يكون أيضاً هيئة وطنية تعمل على تعزيز ثقافة الحوار وقيم الحوار بين اللبنانيين، وعلى درء مخاطر إنقلاب الإختلافات السياسية إلى إنقسامات طائفية ومذهبية وإلى عنف ظاهر أو مستتر.. كان الهدف من اللقاء إذن منع الحريق قبل وقوعه، أو بالأحرى ضبط التوترات ومنع تحولها إلى عنف، وإيجاد آليات حوار وتواصل بين الناس في لحظات التأزم. والمهمة الثانية كانت الحوار الفكري السياسي حول تطوير الصيغة السياسية للنظام اللبناني (وهذا ما قمنا به في مراحل الهدوء في البلاد حين ناقشنا عدة عناوين وطنية خلافية حول دور لبنان ومعناه وحول التسوية الداخلية وشروطها الإقليمية والدولية وإمكاناتها المستقلة).
وقد فشل اللقاء في أهدافه الأولى بدليل توقف أعماله في أحرج الأوقات التي كانت تستدعي وجوده... ولكننا اليوم نعود فستشعر جميعاً الحاجة والضرورة لوجود هكذا مطرح للحوار...
فنحن (بحسب الدكتور أنطوان حداد، أحد مؤسسي اللقاء) مجتمع منقسم إنقساماً عمودياً لا شفاء منه ما يستدعي وجود آلية لإمتصاص الصدمات الطائفية ووجود دور للوساطة والتوسط ولتسهيل التواصل والتقريب بين المنقسمين.. ونحن أيضاً مثقفون فاعلون نتعاطى الشأن العام من باب ضرورة الإسهام في صياغة جدول أعمال وطني يكسر الإنقسام العمودي في البلاد وألا نترك الناس فريسة للذئاب الطائفية..
نعم لم يعمل اللقاء بوضوح على آليات الوساطة والحوار بين أطراف الصراع في وقت الأزمات..ولا على آليات إستباق الصدمات وضبط التوترات ومعالجة النزاعات قبل وقوعها...
واليوم تشهد بلادنا عدمية حوارية أو ثرثرة مقيتة ترقص فوق جثث الشهداء..إذ أنه (وبحسب الوزير الدكتور طارق متري أحد مؤسسي اللقاء) ساد مؤخراً 3 أشكال من الحوار: الأول هو حوار التفاوض الذي عادة ما يكون مرآة لميزان القوى الفعلي على الأرض، ومثاله هيئة الحوار أو جلسات مجلس الوزراء..وحوار المبارزة والسجال والتنابذ وإستعراض العضلات، وهو ما عممته محطات التلفزة في ما يسمى التوك شو..ثم حوار المقاربات المتوازية الذي تعممه منتديات الحوار والمجتمع المدني حيث يتم تقديم أوراق متعددة حول موضوع واحد دون حصول حوار فعلي...
من هنا نخلص إلى القول بضرورة إيجاد نمط مختلف من الحوار..فالحوار الصادق الشفاف المنتج هو ذاك الذي يقوم على قواعد واضحة محددة لإدارة الحوار..وعلى إلتزام المتحاورين بإحترام هذه القواعد.. وعلى السعي المشترك لبناء الثقة والتضامن بين المتحاورين..
وإلا: فلا حياة لمن تنادي..وإلا: فعلى لبنان ألف سلام...