الثلثاء 19 حزيران (يونيو) 2012
“لن نشاهد القامة العملاقة للأب باولو دالوغليو في دير "مار موسى" في صحراء "النبك" (شمال دمشق) بعد الآن"، حسب جريدة "لوموند" الفرنسية. فقد صدرت لهذا الكاهن اليسوعي، الذي قضى في سوريا ٣٠ عاماً، حيث أسّس مركزا مختلطاً للحوار الإسلامي-المسيحي، الأوامر من رئيسه في سِلك "اليسوعيين" بمغادرة سوريا.
والسبب، كما تقول مراسلة "لومومد" في بيروت، "لور إسطفان"، التي أجرت مقابلة معه اليوم، أن الكاهن الإيطالي الذي كان مهدّداً بالطرد منذ نوفمبر ٢٠١١ بسبب الإنتقادات التي وجّهها للنظام، خرج مجدّداً عن "واجب الصمت" الذي كان مفروضاً عليه لكي يتمكن من البقاء في سوريا. أولاً، عبر الرسالة المفتوحة التي وجّهها إلى مندوب الأمين العام للإمم المتحدة، كوفي أنان، في شهر مايو، وطالبه فيها بمزيد من التدخل الدولي في سوريا. ثم عبر الزيارة التي قام بها في آخر شهر أيار/مايو إلى مدينة "القُصير" قرب "حمص"، التي يسيطر عليها الثوار وهي قريبة من الحدود اللبنانية.
وقال الأب باولو، في بيروت: "لم أكن أعرف أن قرار طردي من سوريا قد اتُّخِذ فعلاً، ولكنني كنت أشعر أن الطوق يزداد إحكاماً. وكنت أشعر بالحاجة الأخلاقية للقيام بهذا النزول إلى الجحيم لكي أثبت لنفسي أنني متضامن تضامناً جذرياً مع الشعب السوري"!
في "القُصَير" : "قوى ثورية" ومجموعات إسلامية "طائفية" النظرة!
وبناءً على طلب من الأهالي، فقد توجّه الأب "باولو" إلى "القُصَير" للتفاوض من أجل إطلاق سراح عدد من المسيحيين المخطوفين، وأمضى فيها ٨ أيام، وتعرّض فيها، على غرار أهل المدينة، للقصف المدفعي المتواصل. وقال "في مستشفى ميداني "مُرتَجَل"، قتل شخصان على السرير الذي استقليت عليه قبل ساعة للتبّرع بالدم". وفي "القصير" تعرّف "باولو" على "القوى الثورية" كما يسمّيها. فهو لا يستخدم تعبير "المتمرّدين" إطلاقاً! كما تعرّف على نشوء مجموعات إسلامية لا تتبع للقوى الثورية، وتتمسّك بقراءة "طائفية" للأزمة، بعكس سكان "القُصَير".
خطر حرب أهلية مديدة على محور "العاصي"!
ويشعر الكاهن، وعمره ٥٧ عاماً، بقلق واشمئزازٍ شديدين مما يجري في سوريا حالياً. وهو يخشى، بصورة خاصة، من "صَومَلة" سوريا التي قد يتسبّب بها، حسب رأيه، موقف الإنتظار الذي يقفه الغرب.
ويضيف أن "الثورة لن تتوقف"، ولكن "عسكرة الثورة" الناجمة عن شدة القمع باتت تلعب دوراً أكثر أهمية من المظاهرات السلمية. ويقول: "كلما انتظرنا، كلما ازداد خطر غّرَق سوريا في حرب أهلية مديدة على طول محور "نهر العاصي" (الذي يخترق مدن حمص وحماه، وجوار مدينة "إدلب")، وكلما ازداد خطر وقوع مذابح بين السنّة والعلويين، وكلما زاد نفوذ العناصر الجهادية".
ويقول الأب "باولو داغليو" أنه مشمئز من "الغرب الذي يثابر على إقفال أذنيه، متذرّعاً بـ"الفيتو" الروسي والصيني. "! ويضيف أن "الوضع حساس جداً في سوريا، وسيصبح خارج السيطرة في غضون ثلاثة أشهر".
ويعبّر الكاهن اليسوعي عن اشمئزازه، كذلك، من أولئك الذين "لا يرون في "الربيع العربي" سوى مؤامرة"- في إشارة إلى قسم من الكهنوت السوري الذي يساند النظام "ويتبع سياسة إنتحارية".
إن الأب "باولو"، الذي يعتبر نفسه ممثلاً لـ"كنيسة المسيحيين الشبّان المنخرطين في التغيير" يخشى على هؤلاء الشبان المسيحيين من أن يجدوا أنفسهم محاصرين بين كتلتين من المتطرفين: "كتلة متطرّفي النظام، وكتلة متطرّفي العنف الجهادي". ويتوقع أن "التطرف وأعمال العنف ستتسبّب بإخراج المسيحيين من سوريا"!
من رفض التدخّل الأجنبي إلى تأييد.. "ضربات موضعية" لحماية الناس!
ويقول الأب "باولو" أن تعليق نشاطات بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، الذي تم الإعلان عنه في ١٦ حزيران/يونيو، قد زاد من تشاؤمه. ويضيف: "إذا ما قررت الأمم المتحدة سحب المراقبين، فإن ذلك يعني ترك سوريا تغرق في مرحلة أكثر صعوبة بكثير". ومع تأييده لمهمة كوفي أنان، فإنه يعتقد أن "المجتمع الدولي لم يعمل جدياً على الإطلاق من أجل تطبيق خطة أنان: وبدلاً من الإكتفاء بنشر ٣٠٠ مراقب دولي، كان ينبغي نشر ٣٠٠٠ مراقب، ومعهم ٣٠ ألف "مرافق" يمثلون المجتمع المدني".
وأخيراً، فإن الأب "باولو"، الذي يتحدث العربية بطلاقة، والذي وقفَ منذ البداية ضد التدخّل الأجنبي، بات اليوم يعتقد بأن عمليات عسكرية موضعية، تترافق مع مبادرة غير عُنفيّة، يمكن أن توفّر الحماية لسكان المناطق الأكثر عرضة للخطر. وذلك "شرط ألا تتحوّل إلى حرب عمومية، أو إلى احتلال"!
ويضيف: "حتى بين السوريين الأكثر تمسّكاً بالوسائل السلمية، فإن كثيرين باتوا على قناعة بأنه ليس هنالك بديل عن إنتصار عسكري على النظام"!