الخميس، 23 أغسطس 2012

حاجتنا لتفكير جديد

د. قدري حفني

لعل أحدا لا يختلف علي حقيقة أن بلادنا تمر بمرحلة لم تشهدها من قبل، و مهما اختلفنا علي إيجابية أو سلبية ما نشهده، فمما لا جدال فيه أنه جديد بكل ما تعنيه الكلمة. من اهتمام غير مسبوق بالسياسة، إلي جرأة قد تصل إلى حد الاجتراء علي ما كان يعتبر التفكير فيه مغامرة غير محسوبة، إلي أضواء كاشفة مبهرة تبدو كما لو كانت تغطي مسرح الأحداث جميعا متناقضة _أو لعلها متناغمة- مع ظلام دامس و غموض كثيف يكتنف ما يجري خلف المسرح بين صناع القرار ، إلي وجهات نظر متضاربة حول تقييم ما كان و ما يجري فضلا عن توقع مسار الأحداث في المستقبل. إننا جميعا في ظل ما يحيط بنا من متغيرات جديدة متلاحقة نمارس التفكير، و نصل إلي قرارات؛ و لعل غالبيتنا العظمي راضية عن تفكيرها غاية الرضي مقتنعة بقراراتها كأفضل ما يكون الاقتناع لا يداخلها بشأنها أدني شك. و لعل ذلك يجسد القول الشائع عن أن المرء قد يرغب في تغيير ملامحه أو لون بشرته أو حتي محل مولده و لكنه أبدا لن يقبل طوعا بتغيير تفكيره. و لقد شغلت قضية اتخاذ الإنسان لقراراته في ظل ظروف لم يعايشها من قبل اهتمام العديد من المتخصصين في علم النفس السياسي، و خاصة المتخصصون منهم في سيكلوجية التفكير و اتخاذ القرارات. لو تصورنا فردًا - أى فرد- في موقف جديد، أى يتضمن مشكلة تتطلب حلاً ، وان الحلول التي سبق أن مارسها في مواقف مشابهة لا تسعفه في حل الموقف الحالي، فإن عليه أن يلجأ إلى التفكير في حلول مبتكرة. ولعلنا نتساءل ترى ولماذا لا نقدم جميعًا و من البداية علي ممارسة ذلك التفكير الإبتكاري، مادام سيتيح لنا سبلاً أيسر لحل مشكلاتنا؟ أنه الخوف من الابتكار. فالتفكير الإبتكاري يعني الاختلاف، و الخروج عن النمط المألوف المعتاد، و المغامرة بتجربة جديد غير مضمون، وكلها أمور قامت التنشئة الاجتماعية في بلادنا على رفضها والتخويف منها؛ و التحذير من المحاولة و الخطأ و تغليظ العقاب لمن يقدم على ذلك. كانت عمليات التنشئة الاجتماعية في بلادنا تقوم على تدعيم أنماط التفكير التقليدية القائمة على التلقين، وعقاب من يحاول الخروج عليها. بعبارة أخرى فإننا كنا عادة ندرب أطفالنا - كما تدربنا نحن - على قمع نزعات التفكير الابتكاري لديهم، ونتبع لتحقيق ذلك كافة أساليب الثواب والعقاب. فالطفل المتلقي، الصامت، المنفذ، قليل الأسئلة، المقتنع دائمًا بما يقدم إليه من إجابات، هو طفلنا المفضل المطيع المهذب المؤدب. أما الطفل المتسائل، غير المقتنع، التلقائي، فهو غالبًا طفلنا المشاكس المتمرد الذي يحتاج إلى تقويم. خلاصة القول أننا نرسخ لدي أطفالنا أن التفكير الابتكاري مخاطرة غير مضمونة النتائج في حين أن التفكير التقليدي طريق مضمون آمن. و لسنا في حاجة لسرد أمثلة لمن طالتهم العقوبات الثقيلة ثمنا لاختلافهم مع ما هو سائد فكرا أو ممارسة.ٍ و رغم رسوخ ثقافتنا التقليدية القديمة فقد أفلت من إسارها شباب أتيحت لهم فرصة الاحتكاك بالعالم الحديث و التفاعل مع أدوات الاتصال المبتكرة، فاندفعوا في محاولة ابتكارية لتغيير عالمنا دون أن يتوقفوا طويلا في محاولة فهمه فكانوا بمثابة القاطرة التي تحاول أن تحرك جبالا من التفكير التقليدي الذي يقدس التكرارية و يجد صعوبة في إدراك الجديد، و يستبعد البدائل، و يميل إلي الأحكام العامة المطلقة، و يحكم علي الحاضر بل و المستقبل بمعايير الماضي الذي ألفه و اطمأن إليه وغني عن البيان أن التفكير الابتكاري يقوم على النقيض من ذلك كله؛ فالتكرارية بالنسبة للتفكير الابتكاري لا تعني الكثير، بل على العكس فإن الفرد الابتكاري لا يكاد يرى شيئًا مكررًا، حيث يقوم التفكير الابتكاري على إدراك الفروق الكمية البسيطة، ويتمرد على التعميمات المطلقة مؤكدا فكرة البدائل. و غني عن البيان أننا أصبحنا جميعا مطالبون بأن نتدرب علي مهارات التفكير الابتكاري الذي يكاد أن يصبح رغم قسوته ضرورة حياة في ظل طبيعة الواقع الذي نعيشه في المرحلة الراهنة. و يتطلب ذلك التدريب الالتزام بعدد من القواعد لعل أهمها: أولا: محاولة فتح الباب على مصراعيه لتقبل البدائل، بمعنى التأكيد دائمًا على أن الواقع ليس هو الممكن الوحيد، و أن الواقع القائم ليس سوي أحد الاحتمالات العديدة اللانهائية الممكنة. ثانيا: أن العالم متغير دومًا وأن الثبات نسبي تمامًا. بعبارة أخرى فإنه لا يوجد شيئين أو أمرين أو لحظتين متطابقتين تمامًا، و أن إدراك الفروق لا يقل أهمية عن إدراك أوجه التشابه، و أنه ينبغي إدراك العالم في كل لحظة باعتباره عالم جديد يستحق إعادة التفكير. ثالثا: أن خطأ المحاولة ليس نهاية الطريق، بل انه في حد ذاته يمثل متعة حقيقية. بعبارة أخرى فإنه إذا كان المفكر التقليدي يخشى أكثر ما يخشى الخطأ، فإن المبدع يستمتع بالمحاولة الجديدة ولا يكف عنها ولا يدفعه خطأ النتيجة إلا إلى تعديل المحاولة والعودة من جديد. تري هل يمكن الاستفادة من ذلك النهج الفكري في أن ندرك أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة 2011 يختلف –رغم التشابه- عن مجلس قيادة الثورة 1952، و أن جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 تختلف رغم التشابه عنها في 2012، و أن هناك تشابه و اختلاف بين ما جري في مصر خلال عام 1919، و 1952، و 2011؟