الجمعة، 25 نوفمبر 2011

جواد الخوئي: لا قلق من اختيار مرجع أعلى بعد السيستاني

سعد سلوم-النجف- موقع نقاش
أكثر ما يشغل بال الشيعة العراقيين هو موقع النجف كعاصمة روحية لشيعة العالم في ظل منافسة حوزة قم الإيرانية لها. ويبدو هذا السؤال معقودا على من سيخلف المرجع الأعلى السيد علي السيستاني (81 عاما) الذي يستقر في النجف ويؤثر بثقله الروحي على معظم الشيعة المتدينّين في العالم.
حول هاتين المسألتين كان لـ"نقاش" حوار مع السيد جواد الخوئي حفيد الإمام أبو القاسم الخوئي المرجع الأعلى السابق للحوزة في النجف.
يشغل الخوئي الشاب منصب الأمين العام المساعد لمؤسسة الإمام الخوئي العالمية ومدير فرعها في العراق. وقضى اثنا عشر سنة بالدرس والتدريس في الحوزة العلمية في قم ويواصل الدراسة في المراحل العليا بالحوزة في النجف، فضلا عن دراسته الدكتوراه في جامعة الأزهر. وسبق له أن حصل على شهادة الماجستير من من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن، وشهادة البكالوريوس من الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في بريطانيا ببحث عنوانه "الأقليات الدينية في العراق".
كما أن الخوئي ناشط في مجال الحوار بين الأديان والمذاهب ومن الموقعين الـ 138 على وثيقة "كلمة سواء" التي قدمت من علماء المسلمين إلى المسيحين واليهود والأديان الأخرى، ودعت إلى الاحترام والسلام بناء على القواسم المشتركة بين الأديان.
"نقاش" التقت الخوئي في منزل جدّه الراحل في النجف وكان هذا الحوار:
نقاش- ما خصوصية مكانة النجف كمدينة دينية في العالم الإسلامي؟
الخوئي: عرفت النجف باعتدالها ووسطيتها وانفتاحها على المدارس الإسلامية الأخرى، واذا راجعت تاريخها لن تجد جملة أو فتوى صدرت عنها ذات مضمون يشجع على العنف، وهناك أدلة كثيرة من تاريخنا تشهد بمثل هذا الاعتدال والانفتاح ليس على المدراس الإسلامية الاخرى فحسب بل حتى على الديانات الاخرى. فالشيخ محمد جواد البلاغي على سبيل المثال تعلم اللغة العبرية لكي يقرأ النصوص المقدسة بلغاتها الأصلية، وها نحن نجلس في منزل الراحل الإمام الخوئي زعيم الطائفة الشيعية وعلى بعد عشرة أمتار على يسار المنزل مقر للحزب الشيوعي العراقي وعلى يمينه وعلى بعد عشرين مترا ساحة جمال عبد الناصر رمز القومية العربية، وهذا مؤشر على وسطية النجف واعتدالها.
نقاش- هل انتم مستعدون للانفتاح على الديانات الاخرى وتنمية الحوار بين الاديان؟
الخوئي: بالطبع، إن جهودنا لا بد ان تنصب على بقاء النجف على خط الاعتدال والانفتاح، ففي مدرسة العلم للامام الخوئي التي نشيدها الآن مشروع جامعة لتدريس الأديان والمذاهب، وطموحنا كبير لتدريس الأديان الاخرى، بل ولا مانع لدينا لاستقبال الطلاب من الفاتيكان وغيره من المؤسسات الروحية للأديان لدراسة اللاهوت الشيعي، وتدريس لاهوت الأديان الأخرى للطلبة في النجف. لذا اعتقد أن من السهل والضروري انفتاح المدراس الأخرى على النجف سواء داخل العالم الشيعي أو العالم الاسلامي بعامة او حتى بالنسبة لأتباع الديانات الاخرى، ما دامت النجف مستعدة للانفتاح على العالم الروحي لجميع الأديان.
نقاش- هل تعتقدون أن التقاليد الهادئة التي أرساها جدكم الإمام الخوئي بعدم التدخل في شؤون السياسة والتي استمر على خطها السيد السيستاني يمكن أن تزول مع رحيل السيستاني؟
الخوئي: هذه التقاليد الهادئة هي جزء من تراث النجف، ولا يمكن نسبتها إلى مرجع أو مرحلة زمنية بعينها، فالفكر الشيعي قائم على عدم الصدام مع السلطة الزمنية، والمرجعية لا تتدخل في السياسية فهي في جوهرها سلطة معرفية وروحية لا تهتم بمظاهر السلطة الدنيوية. ولكن القلق موجود، وهو أمر ايجابي لأنه يعكس الرغبة في استمرار هذا التراث الهادىء.
نقاش- كيف سيتم اختيار مرجع أعلى كخليفة للمرجع الأعلى الحالي السيد السيستاني؟
الخوئي: اختيار مرجع أعلى يخضع لآليات مختلفة عن بقية المؤسسات الدينية، ففي مؤسسة دينية سنية كالأزهر يجري اختيار شيخ الأزهر رسميا من قبل الحكومة وفي المؤسسة الدينية الكاثوليكية يجري انتخاب البابا من قبل الكاردينالات لكن المؤسسة الدينية الشيعية تختلف من نواح ثلاث: أولا يدرج الشيعة "العقل" بوصفه أحد مصادر التشريع، ويترك هذا الأمر أثره على المؤسسة الدينية من ناحية كونها تظل قائمة على فتح باب التفكير والرأي وهو ما نعبر عنه فقهيا بـ"الاجتهاد" فلا قدسية لدينا لأي فكر بشري، لذلك هناك حيوية في النقاش وتبادل الآراء، والمرجع يفرض نفسه على مقلديه بقوة معرفته وليس هناك سلطة لاختياره لا تنبع من الارادة الحرة لجماهير المؤمنين.
ثانيا، الاستقلالية المالية المحضة، فالمرجع في المؤسسة الدينية الشيعية يرعى شؤون الطائفة من خلال مساعدات المؤمنين المالية والخمس والزكاة وليس هناك اعتماد إطلاقا على الدولة أو الحاكم، وتتبع استقلاليته المالية استقلاليته الفكرية وهامش الضغط عليه منعدم لذا لا يمكن لسلطة رسمية ان تؤثر على اختيار المرجع الأعلى.
والثالث الانتخاب وهو انتخاب تلقائي -واستعمل كلمة انتخاب مجازا- من خلال استقطاب مقلدي المرجع السابق من قبل مرجع جديد، فليس هناك كاردينالات ينتخبون ولا سلطة زمنية تقوم بتعيينه دون النظر الى قوميته أو جنسيته أو لونه أو كونه سيد [متحدر من نسب الرسول (ص) أو الإمام] أو من عامة الناس فهناك شروط موضوعية لها علاقة بالتقوى والعلم. فالمرجع الأعلى يبدأ طالبا ثم أستاذا ثم أستاذا للبحث الخارج ثم مرجعا ثم مرجعا أعلى. وهي طريقة بطيئة من التكوين اللاهوتي والمعرفي تستغرق عقودا من الاجتهاد والدرس وتكريس الذات للمعارف اللاهوتية.
نقاش- أي أن جماهير المقلدين للمرجع هي التي ستحسم مسألة صعود المرجع الأعلى من بين المراجع الحاليين؟
الخوئي: نعم، فبعد غياب المرجع الأعلى سيتوزع مقلدوه على بقية المراجع الذين هم على قيد الحياة، وتتوزع نسبهم على نحو متفاوت 20% على ذلك المرجع و40% على غيره والبقية على الثالث وهلم جرّا، وبعد مدة تتبلور شخصية المرجع الأعلى باستقطابه النسبة الاكبر من المقلدين، وخلال فترة زمنية تتراوح حسب تقديري الشخصي بين 2- 4 سنوات تتبلور شخصية المرجع الأعلى. وهناك اعتقاد روحي يعكس الجانب الغيبي في اختيار المرجع الأعلى يذهب إلى أن الأمور تسير على ما يرام منذ أكثر من ألف عام في دورة تلقائية، فلا موجب للقلق إذ سرعان ما تظهر قيادة روحية تقود الشيعة الى بر الأمان.
نقاش- ما رأيكم في الآراء التي تماثل بين المرجعية الدينية في النجف والفاتيكان من حيث مركزية المرجع الأعلى التي تشبه مركزية البابا في العالم الكاثوليكي، وأن المراجع الدينيين حول المرجع الأعلى أشبه بالكاردينالات حول البابا؟
الخوئي: هناك أوجه شبه شكلية، لكن ليس هناك دخان أبيض بعد رحيل المرجع الأعلى يشير إلى انتخاب بديله من قبل الكاردينالات، بل هي كما شرحت لك في الدورة التلقائية لانتخاب المرجع الأعلى، كما أن المركزية الروحية للمرجع الاعلى ليست مرجعية حديدية أو بوليسية أو سلطوية بل هي مرجعية روحية، فآراءه لا تسري إلا على جمهور مقلديه وهم قد يصلون في يومنا هذا الى 60% من العالم الشيعي الذي يبلغ زهاء المائتي مليون حول العالم والباقي يتوزعون على بقية المراجع.
ولهذا قلت ان هناك في رحاب العقل الشيعي نوع من الانفتاح والتنوع على بقية الاراء حتى داخل العقل الشيعي نفسه، وليس هناك عصمة للمرجع الأعلى كما هي حال عصمة البابا، فآراء المرجع الأعلى تنصب حول الأمور الروحية والدينية (الحلال والحرام) فهو متخصص بالعلوم الدينية والفقهية ولا يرجع اليه في أمور الطب والهندسة والتي لها مرجعياتها العلمية من ذوي الاختصاص.
نقاش- هناك من يذهب الى قوة منافسة حوزة قم في ايران لحوزة النجف، وان النجف بعد رحيل السيستاني ستفقد مكانتها في العالم الشيعي لصالح حوزة قم؟
الخوئي: لا يمكن لأي مكان آخر في العالم أن ينافس النجف أو يتحدى رأسمالها الرمزي وسلطتها الروحية، ففيها أقدم جامعة شيعية في العالم، فضلا عن وجود مرقد الإمام عليّ عليه السلام، ومهما حاولت أي مدينة اخرى تقليدها فإنها لن تكون سوى نسخة فاقدة لسحر الأصل و كاريزميته الروحية. لذا يتطلع طلاب المعرفة من أندونيسيا أو ايران أو باكستان أو لبنان إو إحدى دول الخليج إلى هذه المدينة دون سواها من المدن الأخرى، وحتى بالنسبة للمرجع الأعلى فإن وجوده في النجف سيكون عاملا مساعدا على صعوده لذا تجد الكثير من رجال الدين الذين يقضون فترة في النجف يطلقون على انفسهم لقب "النجفي" حتى لو كان من مدن عراقية اخرى او كانوا ينتمون بجنسيتهم لدول أخرى ايضا. وهي مدينة تحفز رجل الدين على الابداع، فالامام الخميني عاش لعشر سنوات في النجف وانتج نظريته حول ولاية الفقيه في النجف وليس في ايران. كما انتجت النجف شعراء كبار مثل الجواهري وخرج العديد من قادة اليسار في العراق من بيئة النجف ايضا.
نقاش- ما رأيكم في الاراء التي تذهب الى أهمية ان تكون المرجعية الدينية للنجف من أصل عربي؟
الخوئي: المرجعية شأن روحي ومعرفي ولا اهمية للبعد القومي فيها إطلاقا، وعبر القرون تنوعت المرجعيات فهناك مرجع من أصل عربي: عراقي أو لبناني وآخر من أصل ايراني وغيره من اصل آذري الخ..، وهذا التنوع يعكس حالة ايجابية كما أسلفت، وليس هناك على الاطلاق صراع قومي بين المرجعيات بل تنافس معرفي علمي يحفز على تطور الآراء.
نقاش- إلى أي حد يمكن للنجف أن تسهم في تغيير الشرق الاوسط من خلال جماهير المؤمنين الغفيرة التي تفد سنويا للزيارة من دول المنطقة؟
الخوئي: تأثير النجف عميق في نهضة الهوية الشيعية في المنطقة وإن كان يتضح بشكل تدريجي، فهي تحتفظ بموقع القيادة الروحية للعالم الشيعي وتأثيرها يتخذ أشكالا عديدة: أولا نشر الوسطية والاعتدال التي تميز مدرسة النجف. والثاني يتمثل في التأثير الروحي الهائل لوجود المراقد المقدسة لا سيما الامام الحسين في كربلاء والإمام علي في النجف وبقية الأئمة الأطهار، وهذا يمنح مرجعية النجف قوة روحية لا تضاهى. وهو أيضا يترك أثرا على نمو وتطور الهوية الشيعية العابرة للحدود السياسية والقوميات. ولا شك أن هذا التأثير بدأ يتبلور بعد التغير في العراق بعد 2003 وهو في تطور مستمر من خلال تواصل جماهير المقلدين للمرجع الأعلى عبر العالم وعدد الزائرين الذي يقدر بالملايين.
نقاش- كيف تركت التطورات التقنية تأثيرها على الأجيال الجديدة من الدراسين للاهوت الشيعي في النجف؟
الخوئي: هي أثرت على النجف كما أثرت على بقية العالم، فالنجف مدينة عصرية غير منفصلة عن عالم العولمة برغم خصوصيتها الروحية، ورجال الدين المعممون اليوم يقتنون الموبايل ويتواصلون مع العالم الخارجي عبر الانترنت، وكل منهم لديه بريد الكتروني وصفحة على الفيس بوك، وحتى في الدرس الديني اصبحوا يجلبون معهم الـ (أم بي ثري) لتسجيل المحاضرات الدينية بدلا من استخدام القلم والورقة وحين يصلون الى المنزل يكتبون ملاحظاتهم الخاصة على الحاسوب المحمول" البلاتوب".
كما فتحت التطورات التقنيات الباب واسعا أمام مرجعية النجف لتعزيز حضورها في العالم الشيعي من خلال التواصل مع جماهير مقلديها حول العالم، فقبل أقل من مائة عام وربما نصف قرن إذا أراد شخص أن يرجع بالسؤال إلى مرجعيته بامور دينية تخص الزواج أو الميراث أو غيرها كان يبذل جهدا للحصول على إجابة فلو كان في باكستان فسيستغرق وصول رسالته العام حتى يحصل على الجواب، اما الان فبكبسة زر واحدة على الحاسوب يستطيع ان يرسل سؤاله عبر الموقع الالكتروني للمرجع ويحصل على الجواب في غضون يوم.
نقاش- وهل تغيرت المناهج التقليدية لتدريس اللاهوت الشيعي؟
الخوئي: لقد تغيرت طريقة التدريس، فالمرجع يحتك بالعالم ويتعلم المزيد لان مجال المعرفة مجال مفتوح للتطور وتبادل الخبرات والاطلاع على الآراء الأخرى.