عامر محمد الحسيني
لعل أهم مايميز المرجعية الصالحة التي أطلقت على مرجعية مؤسس الحركة الاسلامية التغييرية المعاصرة آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض) هي تبنيها للاهداف الحقيقية ، التي من شأنها النهوض بواقع الأمة وتحمل كل مايترتب على هذا المنهج من متاعب ومخاطر، ءانها بعبارة مختصرة التعرض للشر والتحريض على الخير وصيانة المجتمع من عوامل الفساد عن طريق ءايجاد آلية وبرنامج ءاستيراتيجي يعتمد الاسلام مادة في عملية مايصطلح عليه بالتنمية البشرية والاجتماعية والتي من أهدافها الرئيسية النهوض بمستوى الوعي الجمعي وءاعادت تشكيل ثقة الأمة بنفسها مايضمن لاحقا تعبئة جماهيرية قادرة على مجابهة التحديات على أصعدتها المختلفة. لقد كان السيد الشهيد الصدر بحق مرجع المستقبل الذي ءاستفز السلطة الدكتاتورية آن ذاك من جهة وعوامل الركود التقليدية من جهة أخرى، وكانت رؤيته الفكرية النظرية تنصب على أن عملية التغيير والارتقاء بالواقع نحو الافضل هي ليست مسؤولية قائد تأريخي ملهم فحسب بل تتطلب حضورا جمعيا واعيا والتفت أيضا الى أن هذا الحضور الذي سيكون الطليعة المتصدية يجب أن لاينحسر على فئة معينة من المجتمع بل يجب أن يكون مزيجا من مختلف الشرائح الاجتماعية.وللوقوف على الجوانب التطبيقية لرؤيته النظرية آنفة الذكرسأتناول قراءات بسيطة وسريعة على بعض بياناته التي أطلقها في فترة تأجج الأزمة بين مرجعيته والنظام البعثي المقبور نهاية عقد السبعينات من القرن المنصرم، وأحب أن انوه الى أن هذه البيانات لاتمثل ءالا نموذجا بسيطا ومحدودا أردنا بها أن نبين مدى تفاعل المرجع الرمز مع أمته، لأن هناك الكثير من الفتاوي الجريئة والتوجهات والتطبيقات العملية التي استخدمها في نهجه التغييري كوسيلة لاحتواء الجماهير المسلمة وتعبئتها، ولعل أبرز مانذكره هو تأسيسه لحزب الدعوة الاسلامية ورعايته بالتوجيه والارشاد والدعم، حيث أنه كان يمثل جناحه الفاعل في عملية الاستنهاض... وبالتأكيد لايمكن في سطور محدودة تناول كل مشاريعه الاستنهاضية والاصلاحية.ونبدأ بكلمة السيد الشهيد لأحد الوفود النسوية والتي حررها في أيام بيعة الشعب العراقي له التي قام بالتعبئة لها كما هو معروف كادر حزب الدعوة الاسلامية في العراق عام 1979، ركز الشهيد في حديثه هذا على النموذج الذي يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة وأعطى أبعاد ه في نقطتين رئيسيتين وهما أن تحمل باحدى يديها ءاسلامها وبالأخرى مشعل العلم والثقافة ، حيث انه كان يشعر بنقص واضح في مشروعه التغييري بغياب المشروع النسوي الذي ينهض بالمرأة المسلمة الى جنب أخيها الرجل في تحمل مسؤولية الاصلاح.
النداء الأول:
أطلق سماحته هذا البيان من مركزالمؤسسة الدينية - النجف اللأشرف – في رجب 1399 وجاء في أثناء تدفق وفود البيعة على سماحته ليؤكدوا ولاءهم للاسلام وطالبين منه أن يظل على مقربة منهم ويواسيهم في آلامهم والتي هي بالتأكيد آلامه.. وعلى ءاثر ذلك أطلق كلمته الشهيرة حيث يقول : (اؤكد لك ياشعب آبائي وأجدادي ءاني معك في أعماقك ولن أتخلى عنك في محنتك وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك ).ثم يتوجه في خطابه هذا الى السلطة ليؤكد لها أن حكمهم الذي فرضوه بقوة الحديد والنار على الشعب العراقي لايمكن أن يستمر لأن التجارب أثبتت فشل الوسائل الفرعونية، ثم يبرز أمثلة واقعية تمثل ءانتهاكات هذه السلطة لأبسط حقوق المواطن، والتي كان أبرزها تسديد الضربات القاضية الى المعتقدات الدينية التي تعتبر المقياس الأول لتقيم السلوك الانساني.. وأكثر مايلفت النظر في هذا البيان هو لهجة التصعيد التي استخدمها وخصوصا في الفقرات الأخيرة للنداء، حين طالب النظام وباسم الشعب العراقي بعدم التعرض للمعتقدات الدينية التي دل التأريخ على ان أهم الحضارات قامت عليها، وطالب أيضا ءايقاف حملات الاكراه على الانتساب لحزب البعث والافراج عن المعتقلين وءايقاف الاعتقال الكيفي المستمر.
النداء الثاني :
وكان في شعبان 1399 ه. وانطلق أيضا من النجف الأشرف وباتفاق باحثين كثر أطلق على هذا النداء (بنداء المحنة) ، حيث بدأ النظام القمعي حينها بحملات اعتقال هائلة شملت عشرات الآلاف من المؤمنين الشرفاء وزجهم في السجون ومارس معهم أبشع انواع التعذيب ومن ثم الاعدام الذي طال العلماء والمجاهدين البارزين.. وهنا أدرك القائد الصدر عمق المحنة التي مر بها الشعب العراقي، ولكي يفي بعهده الذي قطعه على نفسه في ندائه الأول في أنه سوف لن يتخلى عنهم في المحنة..أعلن في بيانه هذا أنه قد صمم على الشهادة، وماألذ الشهادة فهي حسنة لاتضر معها سيئة.. ومن أجل أن تبقى حالة الهيجان الثوري على الطغاة أطلق مناشدته التأريخية والتي حمل فيها كل العراقيين مسؤولية ءادامتها مطالبا كل عراقي في العراق أو خارج العراق عمل كل ما بوسعه ولو كلفه حياته في الجهاد والنضال لازالة هذا الكابوس الجاثم على صدر العراق.. لقد تميز هذا النداء بروعة الاسلوب التحريضي الناجع فهو يمتلك عامل المعرفة الزمكانية، حيث أن ميدانه كل مساحة الداخل ليتعداها الى كل بقع الخارج ذات التواجد العراقي، وهو اذ يخاطب أناس عصره ءالا أن هذه المطالبة ستبقى سارية المفعول مادام النظام القمعي قائما سواء في العراق أو أية بقعة في الأرض ..
النداء الثالث :
وهو آخر نداء أطلقه السيد الصدر قبل أن تنتهي رحلته الجهادية الكريمة بالشهادة . لطالما أكد السيد الشهيد على وحدة الشعب العراقي بكل قومياته، عربه وأكراده وتركمانه وأقلياته الأخرى، وبجميع مذاهبه المختلفة سنة وشيعة وأديانه الأخرى، لأنه فضلا عن أنه مرجع أمة رسالي ، كان يدرك جيدا أن المحنة لاتخص مذهبا دون آخر ولاقومية دون أخرى، فالمحنة محنة الشعب العراقي ككل ولذا كان يؤكد على الشعب أن يصبح تلاحمهم النضالي واقعا ملموسا.. ويعرب لهم في هذا النداء عن حقيقة مهمة تخصه، وهي أنه مذ عرف وجوده وعرف مسؤولياته في هذه الأمة قد نذر هذا الوجود من أجل السني والشيعي والكردي والعربي على حد سواء ودافع عن الرسالة التي توحدهم جميعا وعن العقيدة التي تهمهم جميعا.. فهو على حد تعبيره مع السني بقدر ماهو مع الشيعي وهو معهما بقدر ماهما مع الاسلام وماداموا يحملون المشعل العظيم لانقاذ العراق من كابوس الظلامية والاضطهاد، وهذا التصريح الذي جاء من قائد مسيرة كان لابد أن يكون له أثره الفاعل في ترسيخ فكرة التوحد في وجدان وضمير الأمة.. وقد نوه حينها أيضا محذرا من اعلام السلطة المضاد والذي حاول فيه أن يوحي الى أبناء السنة أن المسألة شيعية بحته ليفصل السنة عن هذه المعركة المصيرية التي تخص العراق وتقدمه وتطويره..