الأمير شكيب أرسلان: رائد النهضة الاسلامية التنويرية التجديدية
- ورقة قدمت الى مؤتمر عقده معهد الدراسات الاسلامية في جامعة المقاصد،تموز 2002 سعود المولى
في العام 1918 اُسدل الستار على” الامبراطورية العثمانية “ التي انهارت تحت وطأة ضربات الامبرياليات الغربية إثر الحرب العالمية الاولى (1914- 1918) .. وفي الفترة ما بين الحربين الكونيتين (1918-1939) عرفت البلاد العربية عشرات الثورات وحركات التمرد والممانعة الشعبية التي قُمعت بالحديد والنار وأُسست لتجذر حالة العداء للغرب في الاوساط الشعبية ولدى النخب المسلمة.. والى جانب حركات المقاومة المسلحة ، والتمرد السياسي الجماهيري ، شهدت البلاد العربية أيضا" حركة فكرية – سياسية ناهضة حملت راية الصراع ضد "التغريب“ و”التبشير“ وضد الاستعمار السياسي والامبريالية الثقافية على حد سواء...وقد مهّدت هذه الحركة بشعاراتها ونضالاتها لظهور حركة الاحياء والنهوض الاسلامي العام .. وكانت مصر هي الارض الخصبة لتلك الحركة ، وكان الامير شكيب أرسلان أحد كبار فرسانها لا بل فارسها المبرز.
1- مصر بين تيارين :
ظهرت بدايات الصراع بين التيارين الكبيرين في الفكر العربي المعاصر، خلال المرحلة العثمانية وبالاخص خلال فترة عمل المجدد الشيخ محمد عبده (مفتي الديار المصرية لاحقاً)،بعد عودته من المنفى وتعاونه مع اللورد كرومر(1). ذلك ان ” محمد عبده قد استعاد وطوّر فكر الافغاني بعد نزع طابعه الثوري عنه . وقد استمر عمل عبده التجديدي حتى وفاته عام 1905 حيث كان قد أصبح داعية ( أو رسولا") للتطور البطيء والمتدرج للاسلام ولتوافقه مع العالم المعاصر “. ويمكن القول بايجاز ان عمل محمد عبده قد مهّد ” وهيّأ الاذهان وان بصورة لا واعية ، لتقبُّل فهم جديد للدولة والدين يختلف عن فهم القرن السابق “ (2) .
ولعل هذا ما يفسّر كيف ان كل اطراف الصراع اللاحق ( العلماني –الديني ) ادّعوا الانتساب الى مدرسة محمد عبده. فمن جهة ظهرت المدرسة السلفية التقليدية على يد رشيد رضا والمنار وعلى قاعدة تعاليم ” الاستاذ الامام “ . ومن جهة مقابلة تطورت مدرسة الحداثة والعصرنة مدعية الاستناد الى تنوّر محمد عبده لتبرير طروحاتها وخصوصا" من طرف طه حسين وعلي عبد الرازق باشا واحمد لطفي السيّد. وبين الاثنين وقف الأمير شكيب ارسلان مكملاً ومجدداً ومطوّراً رسالة الأفغاني-عبده-رشيد رضا،في ظروف دولية وعربية جديدة مختلفة،الأمر الذي يجعله بحق رائداً من رواد الفكر الاسلامي التنويري التجديدي،وأستاذاً لجيل كامل من كبار العظماء في هذا السبيل..
وما كان جديدا" وحاسما" في ملامح تلك المرحلة هو كونها تختلف اختلافا" كبيرا" عن مرحلة الأفغاني-عبده . ذلك ان تغيرات عنيفة كانت قد حدثت منذ مطلع القرن العشرين . ففي زمن الافغاني وعبده استقر نوع من التعايش أو التساكن بين نمطين ، ومجتمعين ، وسلطتين : نمط الخلافة والاسلام والتقليد من جهة، ونمط اوروبا والغرب والعصرنة من جهة ثانية . أما بعد سقوط الدولة العثمانية واحتلال وتجزئة البلاد العربية ، فلم يعد الغرب يقبل بالتساكن او التعاون ( الذي طرحه عبده) وانما بالاستسلام الكامل والتخلي عن الهوية والتاريخ والثقافة ..وكان ذلك يحمل سمة الامبريالية اعلى مراحل الاستعمار على حد وصف لينين..ومن غير الأمير شكيب يستطيع التقاط تلك السمات الجديدة وهو الذي عاش في الغرب وخبر سياساته وأفكاره وكان له التجارب الكثيرة مع البلشفية والفاشية والديمقراطية الغربية بكل الوانها وتفاصيلها،كما كان له التجربة والتاريخ مع الاسلامية العثمانية والتركية الطورانية والقومية العربية...
وهو أيضا أول من أدرك سبب تطور الوطنية المصرية على قاعدة الاسلام ، بخلاف القومية العربية التي تطورت في بلاد الشام على قاعدة رد الفعل ضد الاستبداد الحميدي(1876-1908)، ثم بعد 1908 ضد الدكتاتورية والتتريك الذي مارسته جماعة تركيا الفتاة.
لقد تمظهرت الوطنية المصرية الاسلامية في المشاركة الشعبية ابان الحرب الليبية
(1911) ثم حرب البلقان (1912) وهي مشاركة كان للأمير شكيب الدور الرائد فيها إن على مستوى التنظير أو على مستوى الممارسة العملية حيث قاد كوكبة من المتطوعين من دروز الجبل للجهاد في ليبيا آنذاك،كما قاد الحملة الشعبية العربية لمساعدة منكوبي البلقان من المسلمين. كما شهدت المرحلة ما بين 1911 و 1922 تطور التيار الشعبي المصري المؤيد لتركيا ،حتى الكمالية، في حربها التحريرية الاستقلالية . ذلك ان مصر التي كانت أصبحت محمية بريطانية منذ 18 ديسمبر 1914 ، ظلت تخفق بالأمل لحصول انتصار عثماني ضد الغربيين . وكانت هزيمة 1918 بالنسبة لمسلمي مصر هزيمة لهم وللاسلام ونقطة البداية للحملة التغريبية لسنوات 1922-1929.
ولقد تابع المصريون بقلق وخوف التطورات الداخلية في تركيا بدءاً من الدستور الجديد لعام 1922 الذي يفصل الدولة عن الخلافة ، ومرورا" باعلان الغاء الخلافة (3 آذار 1924) وانتهاءً بالغاء اعتبار الاسلام دين الدولة في تركيا ( 10 نيسان 1928).
وكانت الصدمة كبيرة على المصريين وهم يرون أعمال اتاتورك في فرض القبعة وتغيير الابجدية الى اللاتينية وفي الغاء العربية والآذان .. وهكذا نشأت القاعدة الشعبية للمجابهة المقبلة بين الاسلام والتغريب الاستعماري.
” لقد أدت جملة من التطورات والاحداث بدءا" من عام 1922 الى ان تتقدم مصر لتتبوأ موقعها في قيادة الدفاع عن المسلمين الخاضعين للامبريالية الغربية. وهي لم تتردد في استلام هذا الدور الذي يعود اليها بالفعل خصوصا" بعد قطيعة تركيا مع الاسلام (3). وهكذا التف المصريون حول ثورة الريف في المغرب بقيادة الأمير عبد الكريم الخطابي (1920-1926) والثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش (1925) حيث تظاهروا وقاموا بجمع التبرعات واستقبلوا قادة الثورتين في القاهرة والاسكندرية . وفي مصر انطلقت أولى حملات الدعم لفلسطين وهي تطورت واتسعت بعد حادثة حائط البراق( 1929) والتف المصريون حول قيادة المفتي محمد أمين الحسيني والشيخ عز الدين القسام في فلسطين وحول المطالب السورية واللبنانية والمراكشية التحررية الاستقلالية .
وعكست الصحف المصرية هذا الجو الاسلامي الذي بدأ يغلي منذ عام 1922 ووصل ذروته مع الظهير البربري الذي حاولت فرنسا فرضه في المغرب(1930) . وتؤرخ جريدة المنار، ومن ثم جريدتي الفتح والشورى ( بين 1924 و1930) لتلك المرحلة، وهي صحف تحولت الى ان تكون أداة التعبئة والتحريض في المعركة ضد الغرب وفي شحذ سلاح الوحدة والتضامن بين المسلمين .. ” وكانت تلك الصحف تُقرأ في كل البلاد الاسلامية من أقصى الشرق الى اقصى الغرب ، من الهند الى المغرب .. ومن قراءة هذه الصحف استمدت الوطنية المصرية حيوية وعنفا"(4).
وفي هذا الجو ، ووسط هذا التيار الذي حمل لواء الدفاع عن الاسلام وبلاد المسلمين، والدعوة الى التضامن الإسلامي ، يندرج موقع ودور شكيب ارسلان ، وهو الذي منحه شعبيته الكاسحة في مصر وبلاد العالم الاسلامي ( من طنجة الى جاكرتا وسومطرة).
ويستطيع الدارس لفكر الامير أرسلان ان يلحظ كيف انه تطوّر خلال تلك المرحلة بالضبط، فهو حمل بصماتها وملامح ظروفها ومعاركها . ان فكره هو فكر نابع من المعايشة العملية ، انبنى عبرها يوما" بيوم ، في جو الاعاصير والغليان ، وفي أوضاع الثورة والعصيانات والمواجهات السياسية والعسكرية والايديولوجية . من هنا عدم تشكل فكر ارسلان في كلِّ متناسق متماسك ، أو في نظرية متكاملة أو في برنامج سياسي وايديولوجي (على ما قد يطالب به البعض) . لقد عبّر هذا الفكر عن نفسه في مقالات وسجالات كتبت في أتون المعارك وهي تحمل حماستها واندفاعاتها وتهدف الى تنوير المسلمين وحثهم على الصمود والنضال . انها صرخة انذار مبكر أطلقها مسلم كان يشعر بأن الارض تسحب من تحت رجليه فيفقد الأرض ومعها التاريخ والثقافة والسياسة أمام زحف الطاغوت الاستعماري. . انها دفاع يائس عن العالم الاسلامي ضد مستعمريه في ظروف اختلال كبير لميزان القوى .لقد عرف ارسلان خلال تلك المرحلة كيف يستثير حمية المسلمين وكيف يعرض قضاياهم ومطالبهم وكيف يحدد نقاط ضعفهم وقوتهم وكيف ينشر الافكار والموضوعات التي تستحق التأمل والتطوير وكيف يدعو الى أعمال وينظم معارك ويخوض مواجهات محددة ملموسة ، وكيف ينتقد ويدحض الافكار الخاطئة والممارسات السلبية .. انه مناضل ملتزم بكل معنى الكلمة وفارس نبيل في زمن الهزيمة والتفكك والتطورات المتسارعة (5).
2- حاضر العالم الاسلامي:
ولعل أهم عمل خلّد ذكر الامير ارسلان وأعطاه شهرته الواسعة في العالم الاسلامي هو كتاب حاضر العالم الاسلامي الذي صار ينسب اليه رغم أنه في الأصل ترجمة لكتاب أمريكي أضاف إليه الأمير تعليقات فاقت حجم الكتاب.
يروي عجاج نويهض مترجم كتاب لوثروب ستودارد ، كيف رد عليه الامير ارسلان برسالة مطوّلة حين عرض عليه كتابة مقدمة للكتاب المترجم فيقول ان رسالته له أعطته حجة للكتابة بعد عشرين سنة امضاها ولم ينشر اي كتاب .. وهو في رده يقول لنويهض بان لديه الكثير الكثير ليقوله وليس فقط المقدمة التي يطلبها منه (6).
اما المقالات التي كان كتبها للمنار حول الحرب العالمية الاولى وسياسات تلك المرحلة في سوريا والمشرق العربي فهي لم تكن اكثر من مذكرات نشرها تحت الحاح رشيد رضا نفسه عند لقائهما في مؤتمر جنيف (7). ولم تكن تلك المقالات لتشفي غليل الامير وهو كان لديه الكثير ليقوله بعد سنوات من القمع والكبت ...وهو لم يكن ينتظر اكثر من الفرصة السانحة التي قدمها له عجاج نويهض عند ترجمة كتاب حاضر العالم الاسلامي .. ولعل الامير ” كان يحمل في داخله كل ما يريد قوله او كتابته دون ان يجد المكان او الزمان المناسبين لذلك .. وكان طلبي مناسبة لكي ينفجر في سيل من التعليقات والنصوص “ )8).
تُشكل تعليقات ارسلان على كتاب ستودارد كتابا" كبيرا" مستقلا" ، حيث نجد ان الهمّ او الهاجس الوحيد للامير هو الدفاع عن الاسلام ورد الهجمات والتهم .
وظهرت الترجمة العربية وتعليقات الامير عليها للمرة الاولى عام 1925 ، والطبعة الثانية ظهرت عام 1932. وقد قيل عن هذا الكتاب انه يشكل موسوعة اسلامية صغيرة تطوف بنا ارجاء العالم الاسلامي وتصل الى ابعد الحدود وتجمع بين طياتها معلومات اولية ومكثفة حول كل تلك الاصقاع وحول تاريخ الاسلام والمسلمين . ويقول ارسلان نفسه عن هذا العمل ان مادته هي ثمرة 47 سنة عمل وتوثيق وقراءة وانتقادات وتحاليل(9).وقد كان هذا الكتاب بداية الخطوط العريضة لكتابه التاريخي الذي بين أيدينا:"لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"..ولا يمكن ان نفهم روح كتاب "لماذا تاخر المسلمون" إن لم نقرأ روح افكار أرسلان لتلك المرحلة...
3- الاستشراق والمستشرقون :
فاذا كان هدف تعليقات أرسلان الدفاع عن الاسلام ورد ادعاءات منتقديه فانه يتوجه اولا" الى العرب الذين تركوا الاسلام ولحقوا الافكار والسلوكيات ” العصرية “ و”الحديثة. وهو لذلك يخصص حيزا" هاما" من كتاباته وجهوده للرد على المستشرقين ودحض مقولاتهم ..
” ان تلك المرحلة (1924-1928) قد شهدت أيضا" حملة كبيرة ضد المستشرقين الاوروبيين خصوصا" في الصحافة التي كانت سريعة الشك والاستفزاز .. وهكذا فان اسماء مرغليوث وبرونو وسنوك هورغرونجه كانت تذكر على الدوام باعتبارها اسماء اعداء خطيرين (10).
وقد اهتم أرسلان على الخصوص بدراسة مواقف المستشرقين من السيرة النبوية ، ومن الفتوحات العربية ، كما من السياسة الاجتماعية للاسلام ( التسامح والاخوة ونبذ العنصرية او التمييز) . وايضا" من السجال حول العلمنة بين اوروبا والاسلام .
ولم يكن ارسلان ليعتبر المستشرقين حسني النية رغم اعترافه بفضل الكثيرين منهم لجهة علمهم وحبهم للحقيقة ودفاعهم عن الاسلام .. وهو اعتبر نابليون ” أول المستشرقين “ ، وانه الاكبر ، والبطل ، لانه أراد التحول الى الاسلام وحمل جيشه على ذلك ايضا" (11). أما سبب موقف نابليون فيعود الى ملاحظته عظمة وسرعة الفتوحات العربية الاسلامية وبساطة حياة واخلاق الرسول وصحابته(12). وكان رينيه غروسيه قد ذكر نفس الافكار في كتابه ” مدنية الشرق “ فاستحق ثناء ارسلان .. وفي هذا القسم المخصص للحديث عن الفتوحات الروحية والسياسية الاجتماعية للاسلام ، لا يتوانى ارسلان عن كيل المديح والثناء للمستشرقين الكثر الذين يذكرهم بمحبة ليثبت ان الغرب نفسه قد أقرّ بعظمة الاسلام الروحية والاخلاقية وبأن سر فتوحاته وانتشاره السريع والسلمي يعود الى تلك العظمة بالذات (13).. ولكن نفس هؤلاء المستشرقين الذين يمدحهم أرسلان ( غود فروي دومومبين - دو ساسي - كاترمير- دو برسفال – رينود –دوسلاين- دوزي – نولدكه – فالهاوزن- دوغوي- غولدزيهر- سنوك هورغرونجه ) يصنّفون ما بين ”منحازين“ و”منصفين“ في مقاربتهم لحياة ونبوة محمد وللخلاف اللاهوتي بين المسلمين والمسيحيين حول الصلب والتثليث وحول طبيعة السيد المسيح
(14) .
وحين يلخص أرسلان عدة مؤلفات ومقالات وكتب ومحاضرات حول النبي محمد فذلك لإظهار تحيّز العديد من المقولات التي تبتعد عن الموضوعية العلمية والتاريخية ..
ولكن المديح الأبرز هو ذلك الذي يخص به مونيه Monet وإتيان دينيه Dinet ( الذي أشهر إسلامه لاحقا") . وكان دينيه قد انتقد معاصريه الذين يحاولون دراسة سيرة الرسول إنطلاقا" من أفكارهم المسبقة وأُطرهم الفكرية الأوروبية . وفي هذا النقد الذي يترجمه ارسلان ويعلق عليه تتردد اسماء دوزي ولامنس ونولدكه وسبرنغر وغريم ودوغوي ومرغليوث. ويحاول ارسلان في تعليقاته ان يبرز اكثر ما يمكن من الآراء والافكار المؤيدة لملاحظة عظمة الاسلام ورسوله . ولكن تعليقه الاهم والأكبر يدور حول كتاب إميل دورمنغهام ”حياة محمد“ (15) حيث نكشف هنا معلومات ومعارف وعلوم الامير في الفقه والحديث والتاريخ حين يقارن ، ويستشهد ، ويعلّق، ويدقق ، كل النقاط الغامضة او الخلافية المتعلقة بحياة ونبوة محمد . انه مختصر مفيد لكل الطلبة والمبتدئين والاجانب او للباحثين الجدد في هذا الحقل .
وحسب ارسلان فان المعيار الحقيقي للتمييز بين مستشرق جيد ومستشرق سيء هو المعيار السياسي . ولذا فانه يذكر على الدوام الموقف السياسي لهذا المستشرق أو ذاك ، حيال العرب والاسلام ، أو حيال قضايا محددة . ومن هنا سبب تخصيصه أشد الهجمات ضراوة للمستشرقيْن مرغليوث وسنوك هورغرونجه : الأول بسبب آرائه التي نقلها عنه طه حسين حول الشعر الجاهلي (16) والثاني بسبب كتاباته عن أندونيسيا (17).
4- البعثات التبشيرية:
وهكذا فان الحرب ضد المستشرقين الأوروبيين يتم خوضها حتى النهاية والنقطة المركزية فيها تتمحور حول سيرة الرسول وهي نقطة تسمح لارسلان بعرض وكشف تحيّز بعض المستشرقين ، وابتعادهم عن الدقة والموضوعية. وهو يعتبر هذا الامر بمثابة تصدّ حقيقي لحملة صليبية جديدة . ولذا فانه يربط بين هذا الأمر ( التصدي للمستشرقين ) وبين المعلومات التي تصله والتي ينشرها في صحف مصر ( الفتح والشورى والمنار وغيرها ) حول نشاط البعثات التبشيرية في افريقيا . وهو يخصص الصفحات الطوال للحديث عن الطرق الصوفية في افريقيا ولدراسة تاريخها واوضاعها (القادرية – الشاذلية – التيجانية- والسنوسية ) خصوصا" من زاوية دفاعها عن الاسلام ووقوفها في وجه التبشير الفرنسي والانكليزي والهولندي وحتى الاميركي . وهنا يتميّز شكيب ارسلان عن موقف الفكر السلفي الذي تحمله الفتح والمنار والذي كان يخوض حربا" ضارية ضد الطرق الصوفية باعتبارها بدعا" ومتهما" اياها بالخيانة والعمالة وبتضليل واضعاف المسلمين . اما شكيب فهو يتعاطف مع هذه الطرق ويبرز الجانب الايجابي في نشاطها في افريقيا لحفظ الاسلام ولوقف تمدد البعثات التبشيرية خصوصا" في الحبشة والسودان ومدغشقر وافريقيا السوداء (18). وفي إطار حملته على التبشير يركّز ارسلان على "تعصّب الاوروبيين وتسامح المسلمين “، مبرزا" تصورات الاوروبيين عن الاسلام والرسول، وحروبهم الصليبية ، ومشاريعهم لتقسيم الامبراطورية العثمانية منذ القرن السادس عشر ( يعددها ويذكر انها مئة مشروع ) (19) وكل ذلك لكي يعود فيرى في الحملات التبشيرية استمرارا" للحروب الصليبية وللتعصب الاوروبي .
والحقيقة ان مقالات ونشاطات ارسلان ضد التبشير كانت في أساس تطورالحركة الاسلامية الشعبية في مصر والبلاد العربية ، وخصوصا" بعد انعقاد ”المؤتمر العالمي للارساليات التبشيرية غير الكاثوليكية “ (انعقد في القدس بين شباط وآذار 1928) (20) .وقد كان تشكيل جمعيات الشبان المسلمين والشابات المسلمات في مصر وفلسطين رداً عملياً على جمعيات الشبان المسيحيين والشابات المسيحيات وعلى جمعيات التبشير..ولا ينبغي ان نضع ذلك في خانة التعصب والتبشير أو الدعوة الاسلامية وانما في خانة رد الفعل على نشاط تبشيري كان غطاء للنشاط السياسي والاقتصادي والثقافي للاستعمار الجديد في تلك الايام،وخصوصاص في افريقيا وبعض بلدان آسيا.
ففي وجه التبشير المسيحي، وصف شكيب أرسلان أتباع الطرق الصوفية بانهم” مبشرو الاسلام“ ودافعَ عن نشاطهم ودعمهم لانه رأى ان ذلك وحده منعَ تدمير الاسلام في افريقيا (21).ونحن نلحظ أثرَ هذا الموقف الارسلاني المخالف للموقف السلفي التقليدي(موقف رشيد رضا تحديداً والوهابية خصوصاً) من الطرق الصوفية ، لدى حسن البنّا الشاب ، في تحديده الاول لحركة الاخوان المسلمين حيث وصفها ، من ضمن أمور أخرى، بأنها طريقة صوفية.
5- عظمة الاسلام وأسباب تخلّف المسلمين:
ولكن الاسلام لم يُدمًر . ذلك انه يحمل في ذاته أسباب تقدمه ( والتقدم والتطور عموما"). واذا كان المسلمون يرزحون في التبعية والتخلف فذلك لانهم تركوا الاسلام ونسوا تعاليمه . ان مثال الحضارة العربية الاسلامية يكفي للتدليل على عظمة الاسلام وعلى المساهمة العربية الاسلامية في الحضارة العالمية وفي تطور العلوم والطب وغيرها.. وأرسلان يدعّم تأكيده بالاستشهادات المطولة المترجمة عن المجلات الطبية والعلمية الاوروبية . وهو يسهب في مديح وفي وصف الخدمات الجُلّى التي قدمها الفلاسفة والعلماء العرب والمسلمون للبشرية (22).
وحين يحدثنا الامير عن ”الخلافة والملك“ فإنه يستذكر تجربة الخلفاء الراشدين، واضعا" الاسس لخلافة حقيقية،شوروية ديمقراطية غير استبدادية ولا الحاقية.. وهو يصف كل الحكومات الاسلامية المتعاقبة على مر التاريخ بالملك ، والمملكة ،او بالامبراطورية (23).. وقد لاحظت استعادة وتطويرا" لهذا الفصل ولموضوعاته الرئيسية ، في العمل الخطير للشيخ ابو الاعلى المودودي والذي تحجمْ الجماعات الاسلامية ودور النشر عن اعادة طبعه وعنوانه : الخلافة والملك (24)..
وفي تأكيده على عظمة الاسلام ، يستعرض أرسلان ايضا" تاريخ النهضة الاسلامية واعلامها(منذ القرن الثامن عشر) وحركاتها ( الثورات في روسيا، السنوسية، المهدية، الوهابية ،الطرق الصوفية في افريقيا) ليصل الى عرض فكرة الجامعة الاسلامية والصراع الذي شهده القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بين الاسلام والاستعمار الغربي ..
وفي هذا السياق يُبرز الامير حالة العالم الاسلامي الحاضرة من احتلال وتجزئة واستغلال ، ويدعو الى عمل انقاذي والى نهضة حضارية شاملة ليس فقط للبلاد العربية وانما ايضا" للمسلمين وللاسلام على العموم وفي كل مكان (25).. وهو لا يدعو الى الدفاع فقط عن التراث الثقافي والادبي والسياسي وانما يشمل بدعوته كل ما له علاقة بالاخلاق وبنظام الحياة وبالاذواق وحتى بما يسميه البعض شكليات . فهو يدافع مثلا" عن الثوب الشرقي ضد الغربي(26) وهو يتصدى لمن يدعو لتقليد اتاتورك في فرض القبعة الغربية كلباس للرأس بدل الكوفية او العمامة(27). لا بل انه يكتب في العام 1926 مقالة عن اللباس الصحي وعن الغطاء الصحي للرأس ، اعتراضا" على قرار الجمعية الطبية المصرية إعتبار الطربوش غير صحيا" واعتبار القبعة أفضل لحماية الرأس من حرارة الشمس . وفي مقالته المذكورة لا يتوقف ارسلان فقط عند الاعتبارات الصحية وانما يركّز نقده على مسألة ”التقليد الاعمى للغرب“ والذي يقوم به الشرقيون دون اعتبار لعوامل الثقافة واللغة والدين والاخلاق واختلاف الازمنة والامكنة..
وهو يرى ان الكثير من عاداتنا وتقاليدنا هي أفضل للصحة من تلك التي عند الاوروبيين ومع ذلك فانهم لا يقلّدوننا . ويدعو ارسلان الى ان يبقى الشرقي شرقيا" والى ان يحافظ على عاداته وتقاليده وعلى كل ما يبعده عن الذوبان في شخصية غيره اللهم الا اذا ثبت بان ذلك مخالفة لمصلحة معلومة او لمعرفة موثوقة .. وهو يرى في التزيي بازياء الغرب أكان في الملبس او غطاء الرأس تقليدا" غبيا" يصدر عن نفوس مريضة ترى العصرنة تقليدا" أعمى في حين انها امتلاك للعلوم وللتقنيات العصرية ومعرفة بحقائق الوجود والكون الجديدة وبكل ما يتجدد في حقول المعرفة والمكتسبات العلمية (28).
دعوة أرسلان هي اذن الى التمسك بالهوية ، بالذات الثقافية التاريخية ، والى عدم التقليد الاعمى للغير ، والى التبصر والتعقل في اختيار النافع والجيد مع الاحتفاظ بشخصيتنا وبخصائص هويتنا.. انها دعوة للحاق بالغرب في مجال البحث العلمي الدقيق الذي يجعلهم لا يقبلون أي نظام وأي قانون الا بعد اختبارات طويلة وأبحاث عديدة تهدف الى استجلاب ما هو صالح ونافع.. وهو يقول بان هؤلاء الغربيين قد احتفظوا بكل عاداتهم وتقاليدهم وظلّوا غربيين . وان علينا ان نبقى شرقيين مع تطوير علومنا ونقاط قوتنا وابحاثنا ودراساتنا وتجاربنا وان نقوّم الماضي من التجارب ومن التاريخ ومن الثغرات ومن الضعف (29) .ويستند الأمير شكيب الى الديمقراطية الغربية للحديث عن الديمقراطية العربية وعن الشورى الاسلامية وللدعوة الى الخذ بهذه السباب للتقدم والنهضة.. وفي هذا نفس كلام الامام المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين حين كان يردد أن علينا استماع القول واختيار أحسنه..وأحسن القول الغربي اليوم هو الديمقراطية المرتكزة الى اصالة الشعب وهويته وتراثه وحراكه الاجتماعي التاريخي..وأن العلوم مشاع للبشرية إذ الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنّى وجدها..والمسلم مأمور بطلب العلم ولو في الصين..ومأمور بالعلم والمعرفة إذ هما خير عبادة..
وينصح الأمير شكيب المسلمين باستعادة وباستيعاب العلوم الاوروبية مع البقاء هم ذاتهم اذ انه يعتبر انه ليس هناك من علم غربي وعلم شرقي فالعلم انساني وعالمي(30) واوروبا الحالية تدين في علومها وتقدمها للحضارة الاسلامية . واذا كان الغرب اليوم قد سبق الشرق في العلوم المادية فانه يظل متخلفا" عنه وتابعا" له في حقل العلوم الانسانية والروحية والفنية ، وخصوصا" الفلسفة والمنطق ، ذلك ان الشرق هو مهد الحكمة والحضارة(31) . واذا قام المسلمون باستعادة بعض ما لهم عند الغرب فان ذلك ليس نهبا" او سطوا" بقدر ما هو تعارفا" وتعاونا" اذ ان العلم مشاع للانسانية جمعاء (23).
ولعل أخطر وأهم ما كتبه ارسلان في هذا المجال هو كتابه الذائع الصيت : ” لماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرهم ؟ “ وهو كان الى فترة طويلة دليل عمل الناشطين والدعاة والحركيين الاسلاميين لا بل انجيلهم الثوري ..وقد اتيح لي شخصياً معرفة مقدار تأثير هذا الكتاب على شخصيات تاريخية وحركات نضالية نهضوية في المغرب كما في اندونيسيا ، وفي مصر كما في البوسنة والهرسك وكوسوفو.. ان سؤال ارسلان عن اسباب التقدّم والتخلّف هو سؤال النهضة الاسلامية الذي بدأ مع الأفغاني – عبده ولم يتوقف الى اليوم :
كيف انطفأت تلك الحضارة العظيمة وتلك الامة الذكية الحية المتوهجة ؟ ما هو الداء الذي أصاب الامة وأوقعها في الفوضى والجهل والضعف ؟.
ان ارسلان هنا يؤسس لفكر الحركات الاسلامية التنويرية التجديدية النهضوية التي ترفض الظلام والظلامية والتعصب والغوغائية.. فهي حين تجد في ابتعاد المسلمين عن تعاليم دينهم سبب انحطاطهم وانهيار مجدهم التليد لا تدعو الى الانغلاق على الماضي والتاريخ واجتراره وانما الى التقدم صوب المستقبل برؤية واثقة قوية عادلة متوازنة اساسها الاخلاق الانسانية. وارسلان يتحدث عن الجانب الاخلاقي ونظام القيم الاسلامي الذي مكّن العرب من فتح العالم في فترة قصيرة من الزمن (33) وهذا النظام القيمي وتلك المبادئ الاخلاقية هي من صنع الاسلام ، المحفوظ في القرآن الذي لا يتغيّر ولم تتغيّر نصوصه فكيف اذن انحدر العرب والمسلمون الى الهاوية العميقة التي هم فيها اليوم ؟ الجواب على ذلك ان المسلمين هم الذين تغيّروا . وا ن أوضاعهم لن تتحسن ما لم يقوموا بتغيير جديد وشامل في انفسهم أولا" مصداقا" لقوله تعالى : لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم
(34). وهذا التغيير هو أولا" وقبل أيّ شيء آخر أخلاقي يطال القيم والمبادئ والسلوكيات ليجيب على الاسباب الاخلاقية للانحطاط والتخلّف . فلقد فقد المسلمون من ضمن ما فقدوا الحماسة والشجاعة والتعاون والتكافل والتضحية (35) وحلّ بهم الخوف والجزع فهادنوا الاستعمار الفرنسي والبريطاني في المغرب وسوريا وفلسطين(36).
وأصبح الجبن والتخاذل شعارهم بعد ان كانوا يُعرفون بالإقدام والجرأة . واذا اضفنا الى ذلك: الجهل او بالاحرى ” المعرفة الناقصة “ التي هي أخطر من الجهل ، لعرفنا اي وضع صار اليه المسلمون في العالم اليوم وما سبب ما آلوا اليه (37). وهكذا حلّ اليأس والتشاؤم ، واصبح العلماء يداهنون الحكام ويتقربون منهم ، وصار الناس يرون قوة الغرب لا تقهر والمقاومة فعل انتحار فاستسلموا للتخلّف والهوان(38).. وحسب ارسلان فان الاسلام ضاع ما بين جاحد وجامد.. الجاحدون يريدون نفي وتدمير الشخصية والهوية والتاريخ وكل ما قامت عليه الامة. في حين لا يريد الجامدون تغيير افكارهم ولا يتركون غيرهم يتغيّر (39). لقد ضربت كل هذه الامراض الامة في ظروف مصيرية حاسمة . ذلك ان عمل المسلمين ” الجغرافيين “ ) كما يسميهم أرسلان ويقصد بهم المسلمين بالهوية ومكان الاقامة) قد جاء ليضاعف الازمة اذ هم يتقربون من الفرنج ويخضعون لهم وينشرون سياستهم العلمانية الالحادية مدعين انها وحدها طريق الحصول على القوة والتقدم . ان هذا التغريب وتلك الدعوة الى التحرر من سطوة الدين والتقاليد تخالف حتى ما ذهب اليه الغربيون من عدم السير في طريق محفوف بالشكوك والمخاطر وغير معروف العواقب ، وفي التمسك والدفاع عن ثقافتهم وتقاليدهم وتاريخهم . ولو كان ” المسلمون الجغرافيون “ صادقين وأمناء ومحترمين لكانوا قلّدوا اليابان التي عرفت كيف تستحوذ على كل مكتسبات ومنجزات الحضارة والعصرنة الغربية دون ان تفقد مع ذلك هويتها وشخصيتها ودون ان توصف بالرجعية..
كما ان هناك مثال الشبيبة اليهودية ورئيسها وايزمن الذي يناضل لاعادة إحياء اللغة العبرية حتى تكون الرابطة التي توّحد اليهود وقاعدة عملهم لانشاء دولة لهم في فلسطين . وهكذا ومع ان اليهود يطالبون بانتمائهم وانتسابهم الى قبائل والى لغة لا يُعرف مبدأ تاريخها لتوغلها في الزمن لتكون قاعدة لوحدتهم في النضال فانه لا يُقال عنهم انهم رجعيون او متأخرون (40).
لقد أصبح المسلمون جبناء ، يخافون وييأسون ، وفقدوا الثقة بانفسهم وبدينهم ، وبالغوا في تضخيم الشعور بالعجز امام الغرب والاتكال على القدر والمعجزات .. ان هذا هو سبب الخمول والتأخر ولذا فان النهضة لا بد أن تبدأ باعادة الاعتبار الى قيمة اخلاقية اسمها التضحية .. انها الجسر الذي يقود المسلمين الى التقدّم .. وهي هنا العمل والجهاد بمعناه الاوسع والاكثر واقعية اي بذل الدماء والاموال والاملاك لبناء قواعد صلبة لنهضة حقيقية (41).
بهذه المعاني الثورية خاطب أرسلان جيله والاجيال الشابة مؤسسا" لفكرة مركزية في العمل الاسلامي النهضوي التنويري الذي استعاده الشهيد كمال جنبلاط كما استعاده أئمة الفكر الاسلامي المعاصر وعلى رأسهم موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين..انها فكرة التواصل والتفاعل بين الحضارات والثقافات لخير البشرية وللسلام بين الناس.
6- علمنـــة أم إلحـــاد:
في تلك الايام العجاف التي اشتد فيها ساعد الغزو الامبريالي وطاغوته،انقسم المثقفون في مصر ،حتى وصلت السجالات والصراعات الى ميدان اللغة العربية ، وتاريخ مصر، والهوية الفرعونية ، والثقافة الاسلامية ، والفصحى والعامية . (42) . وقد رأى الامير أرسلان في الحملة التغريبية والغربية على مصر صورة جديدة من صور الغزو الصليبي تستهدف الهوية الاسلامية والعربية .فكان كما وصفته جريدة الفتح ” على رأس المجاهدين المسلمين المدافعين عن الاسلام والثقافة العربية “ (43) وهو وضع قلمه وحماسه وسمعته في خدمة انتصار الاسلام في هذه المعركة التي وجهها ضد الغرب الذي اعتبره رأس الشر ، في حين ان الشرقيين ليسوا سوى مقلّدين مبهورين باسطورة العصرنة والحداثة والعلمانية التي هي اكذوبة تضحك بها اوروبا علينا حيث ان مثقفينا الشرقيين المبهورين بهذه الاسطورة يصدقون كل ما يأتي من هناك . وحسب الامير فان اوروبا التي تتحدث عن الحريات الدينية لا تطبق ما تدعي تعليمه للآخرين . ذلك ان اوروبا يحكمها العقل والعقل لا يسمح بالحرية المطلقة فهو في اللغة العربية يعني الربط ( عَقَلَ) الذي هوضد الاطلاق والتحرير . ويذكر ارسلان لتدعيم رأيه مثال سويسرا المحافظة جدا" في مجال حرية الاديان والدعاية الدينية (44) .
وما هو مهم عند ارسلان هو تبيان وكشف الصلة الوثيقة ما بين الايديولوجية والسلطة ، وما بين الدين والدولة . وهو لا يكتفي بعرض وجهة نظر الاسلام في هذا الخصوص وانما يجهد لتقديم اثباتات وشهادات من الغرب ومن السياسات الاوروبية لاقناع اولئك الذين لا يقبلون الا الدليل الذي يحمل العلامة الاجنبية ” صنع في اوروبا “. ان الفصل بين الدين والدولة في الغرب هو اكذوبة ووهم وهو لا يعدم الامثلة الكثيرة على ذلك (45) .
فهو يكتب عام 1929 وبمناسبة الاتفاق المعقود بين البابا والحكومة الايطالية والذي يعطي الفاتيكان الكثير من الجاه ومن الحقوق ، ويعلّق على ملاحظة وردت في جريدة الوقت ( لو تان) الفرنسية قالت بان محتوى الاتفاق المذكور يعني ان الحكومة الايطالية الفاشية تقبل بالكاثوليكية كديانة للدولة ، فيكتب الى الملحدين باسم العصرنة ، والى العصريين الذين لا يهدفون سوى الى تعميم الالحاد كيف ان الحكومة الموصوفة بالعداء للدين تقرر العودة الى الدين والمحافظة على كنيسة عمرها حوالي الالفي عام وكيف ان ذلك لا يؤثر في شيء على تقدميتها وعلى ماديتها العلمية . وهو طبعا" يعقد مقارنة بين ما حصل في ايطاليا وبين ما يطالب به بعض الشرقيين من فصل بين الدين والدولة (46). وهذا يعني بالنسبة اليه خطل الادعاء بان الدين لا يمكن ان يتعايش مع التقدم ، وبان الايمان الديني خاص بالشعوب المتخلفة والامم الضعيفة ويكفي في ذلك مثال قرار الحكومة البلجيكية مساعدة البعثات التبشيرية المسيحية في الكونغو . فبما ان بلجيكا هي دولة – امة متمدنة ومتطورة فان ذلك يعني ان التطور والمدنية يتعايشان مع الدين .. وان الحكومة تتواصل مع الكنيسة اي ان بلجيكا هي مسيحية وحكومتها لا تخجل من اعلان ذلك ومن تطبيقه (47).
اما حكومة انقرة التي تريد تقليد اوروبا وعلمنة البلاد فان أرسلان يقول لها كيف ان اوروبا هي علمانية طالما ان الحكومة الفاشية الايطالية تصدر طابعا" بريديا" يحمل صورة الصليب والانجيل وعليهما كلمة ” ايمان “ .. وهذه الحكومة المؤسسة على مبادىء الكاثوليكية هي علمانية في نظر انقرة (48). واذا كان العصريون المقلّدون للغرب يعتقدون بان الحرية محترمة ومطبّقة في اوروبا فانهم واهمون او مضلَّلون . فالحرية مقيّدة تماما" في اوروبا وذلك بداعي الحفاظ على الوحدة الوطنية في البلاد وحماية امن الدولة . ولكن ايضا" وأساسا" بهدف تغطية عملية النهب المستمرة للمستعمرات. ففي فرنسا يُقدم الى محاكم خاصة كل من يهاجم سياسة الدولة في المستعمرات (49). وفي سويسرا المعتبرة ليبرالية فان القوانين تعطي لكل ولاية ( كانتون) حق اتخاذ كل ما تراه مناسبا" وضروريا" من تدابير لحماية الامن العام والاخلاق والوحدة الوطنية . وهكذا فان اسطورة الحرية في اوروبا هي ثمرة العمل الذكي للمبشرين ( على حد وصف ارسلان) (50) .
ان الاوروبيين فخورون جدا" بدينهم ولا يقبلون المساس به او تركه دون اغاثة . ولهذا فان الحكومة الهولندية تشجع وتدعم البعثات التبشيرية في اندونيسيا ، كما ان الباريسيين يدفعون المساعدات لدعم بعثاتهم التبشيرية في الشرق .. واهالي جنيف يُصلّون في الكنائس لمنع وقوع حرب عالمية جديدة (51). ويواصل الامير في مقالاته في الفتح حملته نحو المتعلمنين حاملي الافكار العصرية ليقول لهم بان اوروبا هي رغم كل شيء مسيحية وبان مدنيتها وعقليتها مستمدتان من الاناجيل والتوراة ، وبان قوانينها هي رومانية (52).
وبمناسبة نشر برنامج الحكومة الالمانية الجديدة والداعي الى استعادة الوحدة الاخلاقية والروحية، يتساءل الامير بسخرية ان كان المتعلمنون المتعصرنون سيقولون بان حكومة المانيا رجعية وبان الامة الالمانية متخلفة وغير عصرية ؟(53). وبالنسبة لأرسلان فان كل سياسة اوروبا مبنية على المسيحية التي تشكل الاساس الثقافي والايديولوجي وضمير الشعوب ، وذاكرتها ، وتراثها ، والقوانين التي تسوس حياتها اليومية . اما الفصل بين الدين والدولة في اوروبا فانه لم يمسّ الطابع المسيحي لتلك الامم ، باستثناء البلاشفة (54) . ان الدولة والدين هما توأم حقيقي رغم كل ما يُقال ويُكتب حول الفصل بينهما عند الامم المتمدنة لكي يظن الشرقيون والمسلمون بان ذلك قاعدة لا تناقش وبان اوروبا مثال المدنية لا تقيم وزنا" او اعتبارا" للدين وبان ذلك هو سر تقدمها وسعادتها .. ولكن رغم ذلك كله فان اوروبا الرسمية ، الحكومية ، والشعبية لم تترك الدين ابدا" ، لا بالامس ولا اليوم (55) .
اذن ، فان الحكومات الشرقية (يقصد تركيا) التي تدعي قطع روابطها بالاسلام تقليدا" واحتذاء″ بمثال اوروبا التي قطعت روابطها بالمسيحية ، حفنة من الكذّابين الذين يضلّلون ويشوّشون افكار السذج من مواطنيهم ويخفون الحقيقة .. ومن يردد ويعمم اكاذيب وترهات تلك الحكومات ، في مصر والبلاد العربية ، هم ايضا" كذّابون ..(56) وهؤلاء ليسوا سوى من يُسمّون انفسهم بالمدافعين عن ” الفكر العربي المعاصر “ . وشكيب ارسلان يصفهم بالكذّابين وهو يتهكم عليهم حين يقول بانه أقسم يمينا" بأن لا يجادلهم إلاّ انطلاقا" من المصادر الاوروبية ، ومن ما تأخذ به اوروبا او تتركه .. فهو لا يقول لهم قال الله او قال رسوله لانهم لا يؤمنون بالله أو برسوله .. وهو لا يقول لهم ايضا" قال جمال الدين الافغاني او قال محمد عبده لانهم لا يأخذون بأقوال هذين الاستاذين المعلمين بل ويحتقرونهما ويحتقرون كل ما هو شرقي .. وهو لا يقول لهم قال ارسطو او افلاطون او ابن سينا او الفارابي لان هؤلاء قدماء والمتعصرنون يحتقرون كل ما هو قديم.. اذن سيقول لهم ارسلان قال المسيو فلان او المستر علاّن .. لان هؤلاء هم اساتذتهم واساتذة الامم التي يدعوننا للحاق بها ..(57) وفي النهاية فان هؤلاء المتعصرنين المتفرنجين ليسوا سوى مجرد مقلّدين ينشرون دعاية لعقيدة وجدت اكتمالها في الكمالية التركية .. فهناك الافعى ، وقائد الاوركسترا ، ولا ينبغي نسيان ذلك .. ومن هنا تخصيص أرسلان بالحملة الاشد عنفا" والاكثر سخرية وتهكما"، للأتاتوركية الكمالية في أنقرة..
7- تركيــا الكماليـــة:
حتى إلغاء الخلافة تعاطف العرب ( وكل المسلمين) مع الاتراك في نضالهم
التحريري ، وقاموا بجمع التبرعات والمساعدات لدعم قضيتهم ونضالهم وخصوصا" في مصر وسوريا (58). ولكن شيئا" فشيئا" ومع انكشاف سياسة الكماليين العلمانية والتغريبية ، بدأ المسلمون يُعيدون النظر بموقفهم ويغضبون ويعارضون حكام تركيا الجدد . الا ان الامير شكيب كان الاول في وقوفه لوحده محذرا" العرب والمسلمين من حقيقة مصطفى كمال والكمالية وذلك منذ عام 1922 . ان عثمانيته العنيفة في مرحلة ما قبل الحرب قد أخلت المكان لعداء عنيف هو الآخر، للكماليين والاتحاديين ، ولتمسك أعنف ايضا" ، لا بل شبه مثالي بالخلافة ”رمز وحدة وقوة الاسلام “ . تحولت الخلافة عنده الى افضل رابطة ممكنة لتوحيد المسلمين .. وهو يستعيد تاريخ دولة الخلافة العثمانية التي جمعت 400 مليون مسلم في حين جاء اتاتورك لتقطيع هذه الرابطة بين تركيا والعالم الاسلامي مدعيا" انه لا يريد سوى الرابطة التركية القومية ومعتبرا" المسلمين اجانب وغرباء ..
ويرى ارسلان في ذلك افتراء على الحقيقة وعلى المصلحة وهو يستشهد بأنور باشا الذي قال في مرة من المرات بان الاتراك الذبن يعيشون في روسيا يتعاطفون مع تركيا ليس لاننا اتراك بل لاننا مسلمون . اما اليقريت الذين يعيشون في سيبيريا والذين هم اتراك مثلنا فانهم بسبب كونهم وثنيون لا يتعاطفون معنا ، ولا يعرفوننا وكذلك الامر بالنسبة الينا. (59)
ان تعلّقه بالخلافة وبدولتها ، لا ولم يفارقه أبدا" ، إذ نحن نجده حتى في كتاباته المتأخرة . ففي عام 1935 وفي كتابه عن احمد شوقي يعبّر عن خوفه على تركيا ويبرز تعلُّق الشعب التركي الى يومه بالعثمانيين(60) . وكان قد كتب عام 1931 بان سقوط الدولة العثمانية التي كانت هي دولة الخلافة ، جاء باناس يريدون تدمير الاسلام واقتلاعه من البلاد الاسلامية وانه في مواجهة هذا الخطر تقف كل الدول الاسلامية عاجزة او تواجه صعوبات تشلُّها عن امكانية التدخّل .(61)
وفي كل كتاباته لا ينفك أرسلان عن استذكار مجد المسلمين في الاندلس وسقوط الخلافة في قرطبة وما تلاه من إذلال للعرب والمسلمين . اما وضع المسلمين اليوم فهو أخطر مما كان عليه ايام سقوط غرناطة . . وذلك ان صفوفهم قد تفرقت وتبعثرت ، ومجدهم قد أفل ، بسبب سقوط الخلافة التي يقول عنها البعض اليوم بانها لم تخدم العرب وانما كانت وبالا" عليهم .. والحقيقة حسب ارسلان هي ان سبب تعاسة وشقاء المسلمين هو تفرقهم وتناقضاتهم ، وخصوصا" العرب منهم ، الذين قال عنهم النعمان ابن المنذر انهم ملوك كلهم .. ا ن امّة يريد كل فرد من افرادها ان يكون ملكا" ينتهي بها الامر لان تخضع للاجنبي وتفقد ملوكها..(62)
ان عداء أرسلان لتركيا الكمالية بعد إلغاء الخلافة لا حدود له . فهو يبدأ بالهجوم ضد مصطفى كمال مذكرا" المسلمين بان هذا الاخير قد قاد حرب التحرير تحت شعار الاسلام ، وانه كان قد أرسل تلغرافا" الى السيد احمد الشريف السنوسي في ليبيا يقول له فيه ان المعركة بدأت ، أنجدنا بصحيح البخاري (63).
وفي مقالة اخرى يقول ارسلان بان مصطفى كمال كان في بداية أمره يشهد صلاة الجمعة والمناسبات الدينية ، ويتحدث عن الاسلام وعن اخوانه المسلمين وعن معركته القادمة لاستعادة القدس ويردد انشاء الله .. ولكنه ما ان وقّّع اتفاقية لوزان حتى غيّر وجهه ، ونسي أقواله لا بل تنكّر لها وعمل بالضد منها (64). ولذا فان ارسلان يعتبر اتفاق لوزان بداية القطيعة بين الاسلام وحكام تركيا . وهو يسميهم ”المسلمين الجغرافيين “ ويتهمهم بالتآمر مع الاجانب في لوزان لالغاء الشريعة الاسلامية من بلادهم على أمل الحصول على امتيازات من الاوروبيين والاندماج معهم ولذلك لبسوا القبعة كعلامة على اندماجهم بالامم الاوروبية(65). وأرسلان الذي يعتبر نفسه مستهدفا" بالموقف اللاديني للكماليين ، لا يترك مناسبة الا ويتصدى فيها لهم . فهو حين يذكر القداديس التي اقيمت لراحة نفس الجنرال فوش ، والاقوال التي قيلت حول مزاياه الكاثوليكية والايمانية ، يختم مستهزئا" بالقول بان النكت حول ان اوروبا قد اصبحت بلا دين وان حكامها تركوا المسيحية وان علينا للحاق بهم في دروب التقدم ، ان نقطع صلتنا بالاسلام ، ان كل هذه المعلومات لم تصل بنجاح الا الى انقره ..(66).
وحين حوّل حكام انقره الزواج من ديني الى مدني ، فان أرسلان يسخر منهم ويتحدث عن الزواج ، وتعدد الزوجات ، والطلاق في الاسلام ليقول بان الاسلام ليس فيه زواج ديني حتى تلغيه انقره ..ان الزواج في الاسلام هو عقد بين اثنين يقره شاهدان عدلان (شاهداك زوّجاك)(67).
وحين يتحدث عن ثورة الافغان التي قامت احتجاجا" على اعمال حكومتهم المنافية لٍتعاليم الاسلام وتقاليده ، فانه يقارن الوضع الافغاني بما يجري في تركيا ويقرر بان الحكام الافغان قد تأثروا بالاتراك وبان الملك امان الله خان يقلّد مصطفى كمال (68). وفي مقال آخر يعتذر أرسلان عن غضبه العنيف ضد تركيا بعد ان كان شديد الارتباط بها الا انه يقول ان هذا الموقف لا يقتصر عليه بل هو يشمل الكثيرين ممن كانوا اصدقاء تركيا العثمانية ثم اصبحوا اشد أعداء الكمالية ويذكر منهم الشيخ شاكر ، والشيخ الجاويش ، ومصطفى صادق الرافعي (69).
ونحن نلحظ في كل مقالاته استخدامه كلمة انقره حين يتكلم عن الكماليين مع احتفاظه بالتقدير والاحترام لاستانبول والشعب التركي . وهو يصل الى حد القول بانه لا يقبل اي تجريح يطال الترك وانما يقبل كل نقد يصيب الكماليين مميزا" بين حكام انقره وبين المسلمين الاتراك الامناء لتاريخهم ولذكرى استانبول ولتضحياتهم في سبيل الاسلام (70). وهو يقرر بعد مشاهداته وملاحظاته حول السياسة الكمالية المعادية للاسلام بان خطر الفرنج على العرب هو أقل من خطر الكماليين (71).
ولذلك نجد ان مقالاته في الفتح شديدة العنف ضد حكام انقرة وضد المتفرنجين والعصريين الذين قد يجدونه متعصبا" وهو يسخر منهم قائلا" بانه لا يهمه ما يقولونه عنه طالما انه على الحق (72) وطالما ان ” ملاحدة انقره “ وأتباعهم في مصر واتباع اتباعهم في سوريا وفلسطين والعراق لا يجدون ما يقولونه ازاء واقعة كون الانكليز والالمان شديدو المحافظة في ما يخص تقاليدهم ومباديهم .. مكررا" سؤاله ان كان يجوز القول بان هؤلاء الانكليز والالمان وغيرهم هم جامدون متخلفون عفنون رجعيون . في حين ان التقدم الذي ينشده العصريون هو اكثر مما ما عليه الانكليز والالمان (73). لقد خدع الكماليون كل الناس لانهم اتبعوا سياسة متدرجة للتغيير البطيء ذلك ان شعبهم شديد التعلق بالاسلام فلم يستطيعوا ان يقطعوا صلتهم بهذا الدين بضربة واحدة مفاجئة (74).
لم يترك الامير اية مناسبة ممكنة الا وحذّر المسلمين وفتح أعينهم على مستقبل الاسلام في تركيا (75) وهو اشتكى مرات عديدة من تقاعس وسلبية المسلمين تجاه السياسة الكمالية (76) معتبرا" ان خطورة حملاته تتناسب مع درجة الخطورة التي يمثلها المشروع الكمالي الذي استفاد من اتكال المسلمين واعتيادهم تسليم امورهم وانقيادهم لتركيا.. وقد أثمرت حملات الامير تحوّلا" كبيرا" في مصر ادى الى وقوف رشيد رضا ، امين الرافعي ، عبد العزيز جاويش ، محمد الخضر حسين ، احمد تيٍمور ، عبد الحميد سعيد ، مصطفى صادق الرافعي ، ومجلة الفتح وجريدة الشورى وغيرها من القوى والشخصيات السياسية والدينية الى جانب موقف التصدي للكمالية .
الا ان الفتح أشارت وعن حق الى ان أول من استشعر خطر الكمالية وحذّر المسلمين منه هو الامير شكيب ارسلان نفسه (77).
8- نتائــج المواجهـــة:
اولى نتائج هذه المعركة الحضارية- السياسية تمثّلت في انتعاش التيار الاسلامي الحركي المقاوم في مصر وامتداد تأثيره الى شبه القارة الهندية والى اندونيسيا وماليزيا وبلدان المغرب في شمال افريقيا . ورافق ذلك ولادة عشرات الجمعيات والهيئات الدينية في مصر وهي معظمها أبصرت النور ما بين عامي 1927 و1929 ، وكان ابرزها : جمعية الشبان المسلمين ، جمعية مكارم الاخلاق الاسلامية ، جمعية الهداية الاسلامية ، جمعية السلفية ، جمعية أهل السنّة ، جمعية نشر الفضائل الاسلامية ، وأخيرا" جمعية الاخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنّـــا الذي عُرِف باعجابه الشديد وتأثره الكبير بالامير أرسلان ، كما تشهد بذلك كتاباته المبكرة في الفتح ، وكما يذكر هو نفسه في مذكراته حين يتحدث عن مرحلة 25- 28 والصراع الحضاري السياسي وبحثه عن اشكال جديدة للمواجهة بعد انتشار الجمعيات الدينية بتأثير من ارسلان والفتح والشورى (78) وفي نفس الوقت تطورت المعركة ضد البعثات التبشيرية وضد الحركة الصهيونية وكان تتويج ذلك في المؤتمر الاسلامي الاول الذي انعقد في القدس عام 1931 بتأثير كبير من الامير ارسلان ومدرسته.
وخلاصة القول في هذه العجالة أن الدور الكبير للأمير شكيب ارسلان في إرساء أسس النهضة الحضارية الشرقية (العربية الاسلامية) ارتكز الى خبرته العميقة في السياسات الشرقية ايام الدولة العثمانية،والى تجربته الواسعة في جبل لبنان وفي مصر ثم في أوروبا (حيث عاش لسنوات طوال في المنفى الاوروبي)..ولكن اولاً وأساساً الى روحه الطاهرة النبيلة: روح فارس من فرسان هذا الشرق وحكيم من حكمائه، جمع بين النظرية والممارسة في أروع وثاق يمثله كتاب :"لماذا تاخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"..
الهوامـــــش:
1- انظر دراستنا حول "التفكير الاصلاحي والتفكير الثوري : بين الافغاني ومحمد عبده" . ورقة بحثية الى ندوة المعهد الاسلامي – لندن – آب 1984. وأيضا" غازي التوبة ” الفكر الاسلامي المعاصر : دراسة وتقويم “ - بيروت 1977.
2- مارسيل كولومب : تطوّر مصر - بالفرنسية – باريس 1950- ص 121-122
3- م . ن .
4- م . ن .
5- لدراسة وافية مفصّلة حول الامير شكيب ارسلان ، انظر اطروحتنا للدكتوراه في جامعة السوربون – باريس – 1983. وهي بعنوان : الاسلام والعروبة في فكر وممارسة الأمير شكيب ارسلان (1869-1946) (بالفرنسية).
6- عجاج نويهض في مقدمة كتاب حاضر العالم الاسلامي ( طبعة بيروت 1974) . م1- ج1- ص 34- 35.
7- المنار – المجلد 23- ل\الجزء 2- ص 121-134، وج3 ص 202-212، وج4 ص 290-299، وج5 ص 373-382، وج6 ص 459-466.
8- نويهض – م. س. وفي لقاء شخصي معه جرى صيف 1980في رأس المتن.
9- أرسلان في مقدمة حاضر العالم الاسلامي م1-ج1- ص 4 و11.
10- كولومب : م. س ص144.
11- أرسلان : حاضر .. ص 24- 25.
12- م . ن ص 25.
13- م . ن ص 26- 30.
14- م . ن ص 31- 42.
15- م . ن ص 42- 105.
16- ارسلان في مقدمته لكتاب محمد احمد الغمراوي : النقد التحليلي لكتاب في الادب الجاهلي – القاهرة 1929 . والمقدمة تقع في الصفحات 3 الى 59.
17- جريدة الفتح العدد 237 ( 5/2/1931) والعدد 241 ( 19/3/1931).
18- ارسلان : حاضر العالم الاسلامي – م 1 – ج2 – الصفحات 140- 165 حول السنوسية ، والصفحات 166- 174 حول الامير عبد القادر الجزائري ، و175-187 حول البربر ، و188- 193 حول الشيخ شامل ، و 395- 396 حول القادرية والشاذلية والتيجانية، و 398- 407 حول السنوسية ، و304- 359 و360-401 و314- 321 حول الاسلام الاسود.
19- حاضر العالم الاسلامي : م1- ج1 ص 238- 239 و م2- ج3 ص 208- 348.
20- الفتح العدد 82 و86 ( شباط وآذار 1928) .
21- حاضر .. م2 - ج3 ص 1- 54.
22- حاضر م1 – ج1 ص 107- 155.
23- م . ن ص 240- 258.
24- ابو الاعلى المودودي : الخلافة والملك – تعريب احمد ادريس – دار القلم –
الكويت 1978.
25- حاضر .. م 1 –ج1- ص 334- 363 والفتح الاعداد 261-267-286 و342.
26- جريدة الشورى (2/7/1930).
27- الفتح العدد 295 (2/6/1932).
28- الشورى (26/8/1926).
29- الشورى (4/2/1926).
30- الفتح العدد 219- (10/10/1930).
31- أرسلان في مقدمة كتاب الغمراوي – م. س. ص 5.
32- الكتاب الذهبي لمجلة المقتطف في الذكرى الخمسين لصدورها - مصر 1926- ص125.
33- أرسلان : لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم – الطبعة الاولى القاهرة 1930- انظر طبعة بيروت 1975- ص 41.
34- م. ن ص 42.
35- م. ن ص 43- 44.
36- م. ن ص 45- 67.
37- م. ن ص 75- 76.
38- م. ن ص 77- 87.
39- م. ن ص 88 و ص 101- 117.
40- م. ن ص 95- 99.
41- م. ن ص 133- 138 و 153- 163.
42- كولومب : م. س. ص 122- 126.
43- الفتح- العدد 198 (8/5/1930).
44- الفتح- العدد 259 (6/7/1931).
45- ارسلان- حاضر .. م1- ج1- ص 238- 239 وم2-ج3- ص 343-364 وم2- ج4- ص 157-160 وايضا" مقالته حول الاسلام والحضارة الحديثة في مجلة الزهراء – الشهر الاول من عام 1344 ﻫ ( تموز 1925) ص 42- 45.
46- الفتح- العدد 138 (7/3/1929).
47- الفتح- العدد83 (9/2/1929).
48- الفتح- العدد320 (25/7/1351ﻫ).
49- الفتح- العدد204 (19/6/1930).
50- الفتح- العدد259 (17/6/1931).
51- الفتح- العدد274 (30/10/1931).
52- الفتح- العدد290 (25/3/1932).
53- الفتح- العدد333 (24/2/1933).
54- الفتح- العدد335 (10/3/1933).
55- الفتح- العدد383 .
56- الفتح- العدد 83 .
57- الفتح- العدد295 .
58- أرسلان : رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة- دمشق 1937- ص327- 328.
59- أرسلان : شوقي وصداقة أربعين سنة – القاهرة 1936- ص214.
60- م ن ص 121- 124.
61- الفتح- عدد225 (21/11/1930).
62- الشورى (31/8/1930).
63- الفتح- عدد195 (17/4/1930).
64- ارسلان - شوقي . م. س. ص 215.
65- الفتح- عدد163 (5/9/1929).
66- الشورى (8/5/1929).
67- الشورى (25/11/1926).
68- الفتح- عدد132 (24/1/1929).
69- أرسلان : رضا.. م. س. ص437.
70- الفتح- عدد292 (22/4/1932).
71- أرسلان : رضا. م. س. ص436.
72- الفتح- عدد53 (14/7/1927).
73- الفتح- عدد54 (21/7/1927).
74- الفتح- عدد58 (18/8/1927).
75- الفتح- عدد116(4/10/1928).
76- الفتح- عدد78 (5/1/1928).
77- الفتح- عدد194(10/4/1930).
78- كولومب م. س. ص125.