الخميس، 5 مارس 2009

عن الجوهر والهوامش في الحوار الوطني

عن الجوهر والهوامش في الحوار الوطني

لا يمكن العودة الى حوار جدي وصادق ما لم يتخلص البعض من الشعارات الجاهزة والتصنيفات المسبقة والأحكام التكفيرية... عندئذ، واذا صفت النوايا حقيقة، فقد نرى ان الاختلاف في لبنان يقوم في جوهره على مسألتين اثنتين يمكن طرحهما في صيغة سؤالين (سبق أن طرحهما وأجاب عنهما الامام محمد مهدي شمس الدين): 1 ـ هل نريد لبنان فعلاً؟ 2 ـ وأي لبنان نريد حقاً؟
وعلى ضوء تحديدنا وحسمنا هاتين المسألتين ترتسم بوضوح صورة الصيغة السياسية الأنسب والأفضل للحكم في لبنان، وصورة صيغة مشاركة الطوائف في تركيبة السلطة، وصورة العلاقة ما بين حقوق الأفراد والمواطنية (وهي أساس كل دولة ديموقراطية مدنية عصرية) من جهة، وحقوق الطوائف وضماناتها من جهة أخرى (وهو معنى الديموقراطية التوافقية)...
وكي لا نخلط شعبان برمضان، فان المطلوب أولاً العمل بصدق وشفافية على التفكير في هاتين المسألتين وعلى الاجابة الصريحة عن السؤالين أعلاه. ونسارع الى القول ها هنا بأنه ليس جوهر الخلاف هل يكون لبنان وطناً علمانياً أم دينياً، نظاماً اشتراكياً أم رأسمالياً، ولا حتى أن يكون دولة مستقلة أم داخلاً في وحدة سورية أو عربية (كبرت أم صغرت) أو تحت خلافة إسلامية عليا (حزب التحرير) أم سلطة ولاية الفقيه (ايران وحزب الله) أو أممية شيوعية (تهاوت وانهارت وبقي منها أسوأ ما فيها)...
لقد توافق اللبنانيون في الطائف (1989) وصار توافقهم دستوراً جديداً للبلاد (1990) كرسوه في مؤسسات دستورية وفي ممارسات ومواقف تاريخية (أشهرها تفاهم نيسان 1996 ومؤتمر الحوار 2006 واتفاق الدوحة 2008).. اتفقوا سراً وعلناً على أن "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء، جمهورية ديموقراطية برلمانية، ملتزم بمواثيق جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة ودول عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الاسلامي والاعلان العالمي لحقوق الانسان"... ولم يبق سوى تكريس ذلك كله بعلاقات ديبلوماسية واضحة وشفافة مع الشقيقة سوريا أسوة بكل الدول العربية وبكل دول العالم... وترسيماً (أو تحديداً) للحدود بين الدولتين خصوصاً في منطقة مزارع شبعا... يلي ذلك بناء أفضل العلاقات المميزة بين شعبين شقيقين وفقاً لمنطق الأخوة العربية وللعهود والمواثيق العربية والدولية وللمصالح المشتركة... وأيضاً وأيضاً أسوة بكل الدول العربية.. ومن تحصيل الحاصل رسم سياسة لبنان الداخلية والخارجية انطلاقاً من هذه المبادئ الدستورية.. فلبنان لن يكون مقراً ولا ممراً لأي حلف خارجي يستهدف العرب (وفيهم سوريا) في أمنهم ومصالحهم واستقرارهم.. ولبنان عربي له ما للعرب وعليه ما عليهم، سلماً أم حرباً.. فهو آخر دولة عربية توقع اتفاق سلام مع اسرائيل، وهو أول من قدم ويقدم في سبيل قضية العرب وفلسطين. وسيظل يقف مع شعب فلسطين وحقه في العودة وتقرير المصير، وسيظل يعمل مع العرب، يداً بيد، يلتزم ما يقررونه في جامعة الدول العربية ومؤتمرات القمة العربية من استراتيجيات مواجهة وخطط لتوحيد الجهود وبذل الطاقات والامكانات. فلا يزايدن أحد على عروبتنا ولا على التزاماتنا تجاه فلسطين وشعبها.. وخصوصاً أولئك الذين باعوا الأرض والعرض وما زالوا يساومون ويقايضون منذ العام 1967. لبنان وطن عربي اذن.. ولكنه أولاً وطن.. لبناني.. شعب ودولة وحكم وأرض ومؤسسات.. واسوة بكل الدول العربية والأوطان.. من بغداد الى تطوان.. ومن نجد الى عمان.. فهو ليس "ساحة" او "ملعباً" ،ولا "منصة كاتيوشا" أو "قاعدة" لجهاد الاستخبارات، ولا "ورقة" في سوق النخاسة الدولية... وقرارات الحرب والسلم هي ملك لشعب لبنان، مصدر السلطات، عبر مجلسة المنتخب، وملك لالتزاماته وعهوده مع الأشقاء العرب أولاً ومع العالم ثانياً..وهذا هو الاطار الصحيح لا بل الوحيد للحوار حول ما يسمونه الاستراتيجية الدفاعية والأولى تسميتها السياسة العامة للدولة والحكومة في مسالة الحرب والسلم وقضية الصراع العربي-الاسرائيلي...
ولبنان الوطن هو رسالة. رسالة محبة وتعايش واحترام للآخر.. رسالة حرية وكرامة وديموقراطية وعدالة ومساواة للجميع وبين الجميع ومن أجل الجميع.. ولبنان الوطن هو دستور وبرلمان ومؤسسات وأنظمة وقوانين وفصل بين السلطات وانسجام بين الدولة والدين..
هذا هو جوهر اتفاق اللبنانيين في الطائف وفي البنود السبعة وعلى طاولة الحوار والتشاور وفي الدوحة.......
هذا هو لبنان الذي نحلم به والذي نريده عزيزاً قوياً حراً عربياً ....

إن وجود وبقاء لبنان هذا هو قوة للعرب وللمسلمين ولنضال الشعوب.. وهو حجر الزاوية في أية وحدة أو أية جبهة عربية أو اسلامية لمواجهة الظلم والطغيان والاستعمار والصهيونية.. فلا مقاومة ولا ممانعة دون حرية وعدالة وكرامة وديموقراطية.. ولا وحدة دون تعددية واحترام للتنوع والاختلاف... ولا ثورة ولا نضال دون سلم أهلي ومصالحة حقيقية ودون مجتمع مدني فاعل ودولة مدنية متوازنة وعادلة وقادرة.. لا مقاومة ولا ممانعة دون وطن حر وشعب سعيد.. هذا هو جوهر الاصلاح والتغيير.. هذا هو معنى التنمية والتحرير.. هذا هو مضمون الوفاء للمقاومة.. هذا هو درب النضال الطويل.. وما سوى ذلك هوامش تغرق أصحابها في شبر من المياه الآسنة..
فلنتقدم الى الحوار مكشوفي الرأس والوجه، منفتحي العقل والقلب، صادقي النية والضمير.. لندافع عن أغلى مقدساتنا، عن ذكرى شهدائنا، عن الخبز والعلم والحرية، عن السلم والعدالة والديموقراطية، نحميها بحدقات العيون، وبالكف العاري نواجه السيف والدم، كما الحسين.. كما كل الشهداء، الأحياء منهم والأموات..
من الامام السيد موسى الصدر الى الشهيد الرئيس رفيق الحريري،ومن بشير الجميل الى رينيه معوض، ومن حسن خالد وصبحي الصالح الى بيار الجميل وانطوان غانم ووليد عيدو،ومن ريمون اده الى كميل شمعون،ومن عادل عسيران الى صبري حمادة، ومن كمال جنبلاط الى جبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي، ومن وسام عيد الى فرنسوا الحاج، الى كل قطرة دم سالت من أجل لبنان، الوطن أولاً، الشعب أولاً، الحق والعدل والكرامة أولاً..