مقابلة مع نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة" (الاخوان المسلمين المصريين)- ديانا سكيني
يا ابن بلدنا صوتنا امانة... رح يحاسبنا عليه مولانا"، مطلع اغنية "ضاربة" في الشارع المصري ترافق الدعاية الاخوانية لقوائم "التحالف
الديموقراطي من اجل مصر" التي يحتل مرشحو حزب "الحرية والعدالة" العدد الاكبر من مقاعدها بنسبة (60-70 %). الاغنية هي واحدة من 12 اخرى انتجتها اللجنة الفنية "الاخوانية" التي اطلقت سلسلة استعراضات فنية في الشارع للتعريف ببرنامج "الحرية والعدالة" ورؤيته بأساليب عصرية تحاول كسر الصور النمطية عن الاسلاميين.
شباب الاخوان المتواجدون بكثافة في شوارع تحيط بميدان التحرير وغيرها من الميادين المصرية هذه الايام، كمتطوعين في الحملة الانتخابية، يمثلون الشريحة المناسبة للتفاعل مع صورة الاعتدال والطمأنة ومواكبة العصر التي يتبناها اخوان اليوم. اما بالنسبة لجيل "الشيوخ" ، فليست ذكرى اخفاق "الشيخ الشهيد" الامام حسن البنا، مؤسس جماعة الاخوان المصريين (1928) في دخول البرلمان مرتين، في العامين 1942 و 1944، ولا ما ستليها من ذكريات قاسية في العهود المصرية المقبلة وتحديدا عشية خوض "الاخوان" لكل انتخابات من تزوير وتضييق واعتقال، ليست هذه الذكريات حصراً ما يحرك وجدانهم.
في هذه المحطة الانتخابية، تتبدد نوادر في الحياة السياسية المصرية من قبيل طلب احزاب ناشئة في الماضي من هؤلاء الشيوخ اصوات "الاخوان" حين كان يقال لهم "إحنا معانا رخصة... وانتم ليس لديكم رخصة... وانتم لديكم قوة تصويتية... واحنا حزب جديد ولم يتمكن من تكوين شعبي، ومن ثم فإن رخصتنا مع قوتكم تنشئ تحالفا قويا".
الرخصة نالها اليوم حزب "الحرية والعدالة"، الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين التي تأخذ عليها بقية القوى السياسية عملها بحرية تامة سياسية ومالية وتنظيمية بعد الثورة دون ضوابط قانونية في ما يطبق على حزبها ما ينال بقية الاحزاب وخصوصا خلال الحملات الانتخابية. ويخوض الحزب انتخابات مجلس الشعب، التي ستجري في 28 تشرين الثاني الجاري على ثلاثة مراحل تنتهي في كانون الثاني 2012، من ضمن "التحالف الديموقراطي من اجل مصر" الذي بات يضم 12 حزباً فقط بعد الانسحابات المتكررة منه والتي كان ابرزها انسحاب حزب الوفد بعد فرط عقد تحالفه مع الاخوان.
وبقيت في التحالف تيارات عروبية وليبرالية ووسطية وشخصيات مستقلة ذات احجام شعبية محدودة مما سمح للاخوان في تجربة الاختبار الاولى لمزاج 25 مليون مصري (العدد التقريبي لعدد المقترعين المتوقع) بتلوين قوائمهم بأصباغ الاعتدال والانفتاح عبر وجوه هي مستفيدة بالتأكيد من وجودها على قوائم مدعومة من واحدة من اقوى الحملات الانتخابية في جميع المحافظات المصرية. في القوائم نفسها، تبلغ النسبة التقريبية للمرشحين الاقباط حوالى 8 % يُبرر ضعفها اخوانيا بآثار احداث ماسبيرو على وجه التحديد، وغالبا ما يصاحب التبرير بدعوة المسيحيين الى ممارسة المواطنة الكاملة من دون هموم خاصة مع الوعد بحل مشكلة بناء الكنائس قانونيا. المرأة تحضر في قوائم التحالف لكن بخجل بنسبة قدرت بـ8%، علما ان ضعف مشاركتها في القوائم لا تقتصر على قوائم التحالف.
واللافت ايضاً في سلوك الاخوان التحضيري للانتخابات أنهم عادوا عن قولهم بترشحهم على 45 % فقط من المقاعد (قوائم وفردي) من ضمن التحالف حيث تصل نسبة مرشحيهم الحزبيين او المحسوبين عليهم اليوم الى ما يقارب (60 - 70 %)، وهو الامر الذي تبرره القيادة الاخوانية بصعوبة توزيع الحصص والنسب وتقديم مرشحين في مقاعد القوائم والفردي من العمال والفئات ربطاً بمعايير النظام الانتخابي. تجب الملاحظة أيضاً أن تعهدهم بعدم تقديم مرشح رئاسي لم يعد واضحا في ادبياتهم، فان سُئلوا عن سعي "الحرية والعدالة" للوصول الى رأس الحكم، قالوا "من حقنا الوصول الى الحكم باعتبارنا حزبا معترفا به ".
وهو الأمر الذي ان لم يكن يترجم عودة عن توافق او تعهد ما، فانه دون شك يعكس طبيعة العلاقة المتوترة مع المجلس العسكري الذي رسمت وثيقة نائب رئيس الحكومة علي السلمي للمبادئ فوق الدستورية علامات استفهام حول محاولته المستمرة لرسم قواعد جديدة للمعادلة السياسية لمرحلة ما بعد الانتخابات من خلال تكريس دوره كسلطة مستقلة بصلاحيات تصل حد التدخل في كتابة الدستور الجديد وعزل موازنته عن رقابة البرلمان. الأمر الذي كان الاخوان، الى جانب قوى سياسية اساسية، أبرز المتصدين له ما أخضع الوثيقة لجولتي تعديل لم تؤديا الى جعلها مقبولة، فبقيت النظرة اليها بكونها ردة على التعديلات الدستورية التي تم الاستفتاء عليها في آذار المنصرم والتي حكيَ حينها عن ترجمتها تفاهما بين المجلس والاخوان.
هذه المعطيات كانت أساسا لحديث مع نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة" عصام العريان، احد ابرز العقول المدبرة في الجماعة الذي اعتقل لمرات عدة في العهود السابقة، وهو يترأس اليوم قائمة الحزب في الجيزة ويعتبر من الوجوه المرشحة بقوة لرئاسة مجلس الشعب المصري. قال العريان لـ"النهار" جوابا عن سؤال حول "وثيقة السلمي" ان البندين التاسع والعاشر (استقلالية موازنة المجلس العسكري وانشاء مجلس دفاع وطني مستقل) اقحما في الوثيقة التي ضمت مجموعة من المبادئ الدستورية التي سبق التوافق عليها مضيفا ان التدخل في ارادة الشعب في كتابة الدستور الجديد يمثل افتئاتاً على حقوقه، "فنحن نرفض الزام الشعب بمبادىء والتعدي على ارادته وحقه في صياغة دستوره بالارادة الحرة للجمعية التأسيسية".
ويستغرب العريان نزعة المؤسسة العسكرية للاستقلالية بشؤونها مستقبلاً، "وهي بالاساس سلطة مستقلة بالمعنى الذي يجب الا تتدخل فيه بالسياسة". اما الرغبة باستقلالية الموازنة، كما اوحت "وثيقة السلمي"، فهي "مرفوضة لأن المؤسسة العسكرية ليست ميليشيات مسلحة بل جزء من الدولة وليست سلطة فوقها وشأنها شأن باقي المؤسسات العسكرية في العالم تعتبر ميزانيتها من ضمن وحدة الموازنة تماما كما يمارس الكونغرس الرقابة على موازنة الجيش الاميركي".
الاسلام هو الحل
يتمسك "الحرية والعدالة" بشعار الاسلام هو الحل الذي تعترض على وجوده في الدعاية الانتخابية اللجنة العليا للانتخابات لمعارضته القوانين باعتباره شعارا دينيا، لكن العريان يقول ان شعار "التحالف الديموقراطي" هو ازدهار مصر، اما شعار "الاسلام هو الحل" الذي يستخدمه المرشحون فهو لا يخالف القانون لانه يستخدم كقسم من أقسام الدعاية الانتخابية المختلفة مضيفا ان "شعاراتنا تحمل الخير لمصر ونحن حزب مرجعيته اسلامية ولذلك لا نستطيع أن نتخلى عن الشعار الذي لا نعده شعارا دينيا بل هو شعار يعبر عن هوية سياسية" مقللا من امكانية اثارته لهواجس شرائح قبطية وعلمانية خصوصا بعد التوافق على مبادئ عامة بين جميع القوى السياسية ابرزها الدولة المدنية الحديثة الديموقراطية.
الدولة المدنية
ينفي العريان وجود تباين حاد في فهم الدولة المدنية بين الاطراف السياسية. فما هي خصائص الدولة المدنية التي يقبل الاخوان بها؟ يجيب: هي الدولة التي تخضع السلطة فيها لارادة الشعب، والتي تتميز باستقلالية القضاء، فصل السلطات، وتداول السلطة، والحرية والعدالة الاجتماعية والمحاسبة. ويستطرد: لا وجود لدولة دينية في الاسلام، فالدولة في الاسلام تحمل كل خصائص الدولة المدنية مضيفا أن "نقيض الدولة المدنية ليس الدولة الاسلامية بل دولة او حكم العسكر، الممارسات العسكرية هي التي تنافي المدنية".
وهل تعترف الدولة المدنية بمواثيق حقوق الانسان الاممية؟ يجيب "طبعا". قبل ان يضيف: "لكن لنتذكر ان جميع الدول العربية لديها تحفظات عن بعض المواثيق خصوصا تلك المتعلقة بالاسرة ونحن نؤكد على تميزنا الثقافي والاجتماعي عن غيرنا من المجتمعات الغربية". يضرب مثالاً: "نحن كمسلمين لا نقبل بالزواج المدني لمعارضته الشريعة ناهيك عن ان الزواج الاسلامي بطبيعته مدني، فهل يقبل الاخوة المسيحيون بالزواج المدني؟ تخيلوا دولة يعتبر فيها المسيحيون اقلية يباح فيها الزواج المدني من مسلمين، في هذه الحالة هل تكون هذه الدولة المدنية في مصلحة المسيحيين او ضدها؟".
وعما اذا كان يحق للمرأة في هذه الدولة المدنية الوصول الى ارفع منصب سياسي يقول العريان "ليس هناك مشكلة في مساواة المرأة الكاملة في المواطنة مع الرجل في الميادين المهنية والسياسية. بالتأكيد لا مشكلة". وعن حق القبطي في الوصول الى منصب رئيس الجمهورية يقول: "يحق له. يصل اذا ترشح وعكس وصوله ارادة الشعب".
الرؤية الاقتصادية
وحول ما اذا كان فوز الاخوان بغالبية برلمانية يعني قيامهم بتعديل القوانين الاقتصادية بما يتوافق مع الشرع الاسلامي يقول: "لا شك هناك ضرورة لتعديل الرؤية الاقتصادية بدون اطلاق صفات ايديولوجية، فمصر تحتاج الى سياسات اقتصادية جديدة في جميع القطاعات ولا سيما الزراعة والصناعة"، رؤية بدون ادلجة المسألة، اضف الى ان الرؤية الاسلامية الاقتصادية هي واقعية تؤمن الحق والعدالة وتكافح الاحتكار والفساد، والشريعة ليست تشددا لكنها شريعة القيم الإنسانية التى أخذتها منا الدول، والسياسة الاقتصادية تنبع من المؤسسات الدستورية بتوافق بين اطرافها". هذا الى أن "الحرية والعدالة" في حال وصوله الى الحكم لا ينوي "اتخاذ اجراءات تضر بقطاع السياحة"، حيث لم ينكر الاخوان حرية السائح في احتساء الخمور على قاعدة ان "عقيدتهم لا تنهاهم عن الامر".
الضغط السلفي
"الاعتدال" الذي يبديه الاخوان في مواقفهم يساهم في تحديده وتظهيره ازدياد الضغط السلفي في المجتمع الذي يجده العريان "نتيجة للكبت الذي اتصفت به المرحلة السابقة" مؤكدا ان "مزاج الشارع المصري وخصوصا الشارع الاسلامي بشكل عام هو مزاج معتدل" ومشددا على "ضرورة ضمان حرية الممارسة السياسية لكافة التيارات الفكرية بما يتماشى مع سقف القوانين المصرية".
وحول المال السياسي الذي يدفع لتمويل تيارات واحزاب مصرية ولاسيما في المرحلة الانتخابية، يقول ان "هذه الظاهرة لن تؤثر على النتيجة السياسية وهي ذات منطق تزويري في الانتخابات لم تكن تفلح سابقا في التأثير على الناس فما بالك اليوم". لكن من يموّل؟ "نسمع عن تمويلات اوروبية كجزء من برامج يدعمها الاتحاد الاوروبي، ونسمع عن اموال اميركية وخليجية لكن ليس لدينا معلومات مؤكدة".
العلاقة مع الغرب
في موازاة الحوار الذي أُعلن عنه بين الاخوان وواشنطن على "اساس الاحترام المتبادل"، تُلحظ الزيارات الكثيرة للديبلوماسيين الاوروبيين الى مقرات الاخوان، فما هي طبيعة العلاقة الناشئة بين الطرفين وكيف ينظر الاخوان الى دور الغرب في الثورات العربية؟ يجيب العريان ان ما يدور في اللقاءات مع الاوروبيين غير البعيدين عن الموقف الاميركي في السياسة الخارجية يركز على شرح كيف ان الديموقراطية لا تناقض الشريعة الاسلامية، وكيف ان الدعاية المنتشرة عن تخلف الاسلام عن الديموقراطية تسيء الى الشعوب المسلمة. كما "اننا نبيّن لهم الخطأ الفادح الذي ارتكبه الغرب طوال العقود السابقة بدعمهم للحكام العرب المنبوذين من شعوبهم، ونخبرهم بأن هناك فرصة كبيرة لانهاء الخصام اليوم بينهم وبين الشعوب من خلال معادلة احترام المصالح المتبادلة واحترام توق الشعوب العربية الى الحرية والكرامة ونطالبهم بعدم الوقوف حجر عثرة امام تطلعات الشعوب العربية نحو التنمية والازدهار".
العريان الذي سبق ان اعلن رفض الاخوان لدروس رجب طيب اردوغان حول المزاوجة بين الاسلام والعلمانية، يبدو اكيداً من خلال استعدادات حزبه ورصد تفاعل الناس معه من اقتراب اللحظة التي سيتمكن حزبه فيها من تقديم "نموذج حقيقي" لحكم اسلام سياسي عربي معتدل تنتجه انتخابات ديموقراطية. وهو النموذج الذي يتصف حتى الآن بهموم قطرية. يقول ان "ابرزها تشكيل ائتلاف حكومي واعادة هيكلة الحياة السياسية والنظر في التشريعات بما يلبي اشواق المصريين للازدهار". اشواق المصريين تطول بدون شك ايضا استعادة مصر وزنها استراتيجي في المنطقة. وان حكى الاخوان قليلا عن السياسة الخارجية من ترك اعادة النظر بـ"كمب ديفيد" الى السلطة المنبثقة عن الانتخابات المقبلة، ومن حفاظ على اللهجة المعتدلة حيال ايران ومن تعاط مع واشنطن على اسس احترام المصالح وعدم التبعية، فانهم ومن دون شك يخفون الكثير...