بالأمس صح مجدداً ما كنا نقوله ونكتبه...السياسيون اللبنانيون لا يقرأون (غير صفحة الوفيات) ولا يتابعون (غير المسلسلات المافياوية) ولا يراكمون (سوى الأخطاء والخطابات)..
بالأمس إكتشف السياسيون (النواب والوزراء) فجأة أن هناك شيئاً إسمه المجلس الاقتصادي الاجتماعي...وغاب عنهم أنه موجود في نص اتفاق الطائف.. وأنه تشكل رسمياً وفعلياً قبل بضع سنوات..وقد كان له رئيس وهيئة ادارية عقدت عدة اجتماعات قبل أن يتوفاها القضاء والقدر!..
بالأمس أعدنا اكتشاف حقائق لبنانية فاقعة رهيبة.. كل وزير جديد يأتي معتبراً نفسه عنتر زمانه أو أبوزيد خاله..فلا يقرأ ملفات سلفه ولا يقيم وزناً لما تم انجازه قبل توليه هو نعمة الوزارة..
بالأمس سمعنا عن مشاريع "دراسات" جديدة (ستكلف مليارات جديدة) لإصلاح كذا وكذا..ومنها على سبيل المثال لا الحصر قطاع التربية والتعليم.. فتأكد لدينا على الوجه الشرعي أن الوزير الجديد لا يعرف أن سلفه أعد هكذا دراسات ومشاريع (مطبوعة منشورة) وهي لم تطبق وقد كلفت طبعاً مليارات..
بالأمس تذكرنا بالمناسبة ما سمي يوماً الميثاق الاجتماعي وتذكرنا ضرورته وأنه سبق للوزير سليم الصايغ أن أعد هذا الميثاق بالتعاون مع هيئات المجتمع المدني..
في التمهيد للميثاق، وهو بقلم الوزير سليم الصايغ، قرأنا على الأقل عشرة عناوين تنطلق من فكر كمال جنبلاط وترجع اليه:
1- انطلق نص الوزير من ملاحظة كيفية مواجهة لبنان الكيان/الدولة ولبنان الوطن/الرسالة لتحديات العولمة على المستوى الاجتماعي..هذه المواجهة كانت في صميم فكر جنبلاط الانساني الاممي الذي حاول توطين الحداثة الغربية مع الحفاظ على الروحانية الشرقية.
2- يقوم الميثاق على فكرة انسانية الانسان باعتباره الموضوع والمرتكز والهدف.. يقول الوزير الصايغ شارحاً:الانسان المتخطي لذاته..وفي مكان آخر: الانسان المتمكن من تخطي ذاته...ولا يخفى عليكم كم استخدم كمال جنبلاط نفس العبارة.
3- يطرح التمهيد ضرورة "مواجهة المسألة الاجتماعية بكل إشكاليتها"..ما يعني طرحاً اقتصادياً اجتماعياً فكرياً ثقافياً لا يكتفي بمستوى واحد من مستويات المسألة الاجتماعية.
4- يقول النص بضرورة "مصالحة المجتمع مع ذاته".وهذا لعمري يعني طرح فكرة التعاون والتضامن الاجتماعي وفكرة السلم الأهلي الدائم القائم على العدالة والمساواة.
5- ويقول النص بتحقيق ذاتية الانسان وبناء الانسانية. وهذا القول هو الأشد تعبيراً عن فكر كمال جنبلاط....
6- يدعو النص الى قيام سلّم مسؤوليات متناسبة مع حجم الاحتضان للانسان.فالانسان مسؤول وكذلك العائلة والمجتمع والدولة، كل بنسبة تدخله.
7- ويدعو لتضامن الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لتحقيق العدالة الاجتماعية.
8- وأن المشاركة تقوم على خلق القيمة الاساسية: خدمة المجتمع التي هي إعلاء للحق الانساني.
9- أما العبارة الأجمل والأكثر توفيقاً فهي قول الوزير بضرورة خلق "القيمة الاجتماعية الأصلية وليس القيمة الاقتصادية المضافة اجتماعياً".
10-وفي الختام يقول: هكذا يتحقق التضامن الاجتماعي حيث تلعب العائلة دوراً أساسياً.
ونجد في مضمون نص الميثاق الأفكار الرئيسة التالية المرتبطة بفكر كمال جنبلاط وممارسته وهي كانت في أساس برنامج الإصلاح السياسي الذي قدمته الحركة الوطنية اللبنانية عام 1975 وهي وردت أيضاً في وثيقة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشهيرة 1976، ثم صارت كلها في أساس اتفاق الطائف... وطبعاً هي لم تطبق إلى يومنا هذا.
1- اللامركزية وتحقيق الانماء المتوازن.
2- التنمية الشاملة المتكاملة.
3- السياسات الاجتماعية المتكاملة بدلاً من السياسات الاجتماعية التعويضية.
4- تعزيز التماسك الاجتماعي أمام تحديات العولمة.
5- تأمين أنظمة الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان الاجتماعي.
6- تعزيز مفهوم الاندماج الاجتماعي.
7- تحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين في مختلف ميادين الحياة العامة.
لعل هذا الميثاق من أهم إنجازات العقل والروح منذ اتفاق الطائف..ولعله أفضل تطبيق حي لروح ونص اتفاق الطائف..وهو بالتالي أهم مدماك من مداميك الحقيقة والعدالة والمصالحة والسلم الأهلي. فهل نحلم باستعادته والبدء بتطبيقه ؟؟