الخميس، 24 نوفمبر 2011

سعود المولى : رسالة الى السيد الرئيس محمد خاتمي

مطر...مطر...مطر...
ستعشب بلاد العرب بالمطر...
الى الأخ الكبير، صديق لبنان والعرب، الرئيس السيد محمد خاتمي
أتوجه اليك بهذه الرسالة بعد مؤتمرك الصحفي الأخير الذي حددت فيه موقف الحركة الاصلاحية الايرانية النبيلة من ربيع العرب، وهو الموقف الذي لم يفاجئني ولم يفاجئ اللبنانيين أبناء ربيع بيروت.. فنحن نعرف معدن الرجال الكبار من قادة الحركة الإصلاحية في ايران.. ونعرف أن ربيع بيروت وربيع طهران كانا معاً شرارة هذا الربيع العربي المستدام..ونحن نعرفكم ونعرف رفاقكم من أبناء ثورة العصر الكبرى: الثورة الاسلامية الشعبية المدنية السلمية التي أطاحت بأعتى قوة إستبدادية طاغوتية على وجه الأرض حين حملت شعار الحسين: الكف العاري في وجه السيف الدامي.. ونحن نعرف الرجال والنساء والشبان والشابات الذين صنعوا التاريخ يوم اتحدوا خلف دعوة الحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية.. نعرفهم وقد ذاقوا السجون والمعتقلات، وعاشوا التعذيب والنفي والتشريد، وخبروا كل أنواع القمع والتنكيل...نعرفهم يوم قاتلوا معنا في صفوف الثورة الفلسطينية ومن أجل فلسطين والعرب ... نعرفهم يوم بكوا عند إعدام سيد قطب (كما أخبرنا الشهيد الشيخ المنتظري).. ليس حباً بخطه السياسي والايديولوجي وإنما كرهاً للظلم والظلمة الذين يقتلون العلماء والمفكرين.. نعرفهم يوم استقبلوا ياسر عرفات بالملايين وهو كان أول عربي أو أجنبي تطأ قدماه أرض ايران المحررة.... نعرفهم يوم كانوا رفاق وأصدقاء لكل الحركات الاسلامية والعروبية واليسارية يوم عز الرفاق !!! ويوم كانوا رفاق وأصدقاء لكل المثقفين العرب الذين يشمتون اليوم بهم أو يصمتون وهم يرونهم يتعرضون للسجن والقتل والتعذيب والاغتصاب في السجون "الإسلامية" "الثورية"... أو يتهمونهم بالعمالة للغرب ولأمريكا واسرائيل ...أو بأنهم ينفذون سياسة الغرب واسرائيل حين يطالبون بالاصلاح والديمقراطية والعدالة والكرامة والحرية... ونحن نعرف أن مدعي المقاومة والممانعة من صغار الكتبة المتأسلمين المتمركسين قد هانت عندهم مطالب الناس ومصالح الناس وحقوق الناس منذ اختزلوا الاسلام والعروبة واليسار والثورة والمقاومة بصباط العسكر وبسنابك خيل ظباط الهزيمة وبأقبية المخابرات وزنازين الوحوش من الحكام الظلمة الفجرة...
الأخ العزيز الحبيب والسيد الجليل المهيب والرئيس المبجل المحترم وكلها ألقاب تليق بك وبعمامتك الحسنية الحسينية وبابتسامتك الطاهرة البريئة وبروحك النقية الصافية..
نريد أن نقول لك أن الاصلاح صار مرذولاً لدى بعض المثقفين والصحفيين الذين تنعموا طويلا بأموال ايران وثورتها..وأن أعداء ايران أيام صدام حسين والاتحاد السوفياتي صاروا اليوم أصدقاءها يأكلون على مائدتها ويضربون بسيفها ؟؟ فقط يوم صارت ايران امبراطورية أمنية-مالية على غرار موسكو والكومنترن أو ليبيا والعراق أيام الطغاة ؟؟ وما يجمع هؤلاء ليس الاسلام الثوري أو الولاء لأهل البيت أو المقاومة الحقيقية أو اليسار وممانعة الامبريالية بل هي نفس ولاية الفقيه المطلقة التي تؤمّن لهم الاستقرار والاستمرار مع الجاه والمال... نعم مركز إيران كبديل عن موسكو أو طرابلس أو بغداد وعن مصادر التمويل في روسيا والعراق وليبيا وغيرها...
سيدي الجليل: يا سليل علي والحسن والحسين وعلي زين العابدين ومحمد باقر العلم وجعفر الصادق وكل الأئمة الأطهار الشرفاء على طريق ذات الشوكة..
نحن الشيعة العرب وقفنا مع الثورة الاسلامية الايرانية ليس لأنها شيعية بل لأنها كانت بالنسبة الينا استمراراً لنضالنا اللبناني والعربي (شعارنا التاريخي عام 1979: اليوم إيران وغداً فلسطين) وكانت قوة للعرب وللمسلمين وتحدياً للاستعمار والصهيونية وتجسيداً لحرب الشعب طويلة الأمد وشرارة كنا نظن أنها ستشعل السهول والبوادي العربية عزة وكرامة وحرية... وهتفنا معكم بكل جوارحنا: استقلال آزادي، جمهوري اسلامي، لا شرقية ولا غربية، ديموقراطية وحرية..
نحن الشيعة العرب وقفنا يومها وما زلنا نقف اليوم ضد العنصرية القومية الشوفينية الفارسية، تماماً مثلما وقفنا وما زلنا نقف ضد العنصرية القومية العربية أو الفرعونية أو السورية (وممثل هذه العصبيات الجاهلية نفس حزب البعث وأيتام صدام حسين وأنصار الظلم البعثي في كل مكان)...والحال أن النظام الايراني الرسمي هو ممثل القومية الفارسية المتعصبة بامتياز بعكس الشهيد المظلوم آية الله منتظري والشهيد آية الله طالقاني، والشهيد الدكتور علي شريعتي.. وبعكس موقفكم يوم كنتم في الرئاسة وموقف رفاقكم رجال الفكر والعلم والاصلاح والتجديد، السادة الأحرار الشرفاء : موسوي ومحتشمي وكروبي ورفسنجاني ونوري ونبوي، نسأل لهم العزة والحرية.. ولكل الأخوة والأخوات الذين ذاقوا السجن والتعذيب والاضطهاد...ألف ألف تحية..
سيدي الرئيس
تعلمون أنه لا قيمة ولا اعتبار لما يقولونه اليوم ويجعلونه المعيار الحاكم لتوزيع شهادات العروبة والثورة والاسلام واليسار من أن النظام الايراني يدعم مالياً وعسكرياً حماس وحزب الله وجميع المؤتمرات القومجية الاسلاموية... فهل نسينا أن الاتحاد السوفياتي كان يدعم كل حركات التحرر في العالم وعلى رأسها الثورة الفلسطينية...وهل جعلنا ذلك نتراجع عن تسميته إمبريالية إشتراكية ؟؟ وهل أخّر ذلك سقوط امبراطوريته العظمى التي كانت تحكم نصف العالم ؟؟ وهل كان سقوط الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية بفعل تدخلات الغرب ومؤامراته أم بفعل الانهيار الداخلي الناجم عن الاستبداد والمركزية الروسية ؟؟
السيد خاتمي: يا صديق لبنان والعرب.. يا صوت ايران الحقيقية.. يا ابن الثورة العميقة الواعية الانسانية...يا تلميذ الشهيد المطهري والشهيد المنتظري.. يا رفيق الشهيد بهشتي.. يا صهر السيد موسى الصدر وصديق الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وأنت القائل: إن الدم اللبناني يجري في عروق أولادي... يا وارث حركة الاصلاح والتجديد في الفكر الشيعي... بالأمس سمعنا صوتك الهادر وفهمنا رسالتك الثورية الانسانية: نعم ايران دولة اسلامية كبيرة بل كبرى وواجب علينا التعاون معها والتضامن معها ولكن ليس على حساب المصالح العربية والتضامن العربي، وليس على حساب العدل والكرامة والحرية والديموقراطية لجميع الشعوب الاسلامية... نعم لإيران الحق بامتلاك تكنولوجيا نووية وكل ما تراه مناسباً لنهضتها وازدهارها واستقرارها وحماية أرضها وشعبها من أعدائها... ولكن ليس من خلال استخدامنا متاريس لها أو بوابات دامية للتفاوض والصفقات مع اسرائيل والغرب... نعم ايران دولة رئيسية في المنظومة الاسلامية والشرق أوسطية ولكنها لا تستطيع ولا ينبغي لها أن تدعي أنها الدولة الأساسية والدولة المحورية...
نعم على إيران أن تعيد تنظيم علاقاتها مع الجوار العربي والتركي وذلك على قواعد التعاون والاعتماد المتبادل والمساواة والندية وفي مواجهة تحديات دخول العصر والعالم والفعل فيه لا الانفعال... نعم على ايران أن تمد يدها الى العرب والترك والكورد وكل الشعوب المستضعفة: لكي نتقدم معاً ولكي نعمل معاً على انهاض بلادنا وتنمية مجتمعاتنا وتحقيق العزة والكرامة والحرية والأمن والسلام والعدالة والديموقراطية لشعوبنا...
نعلم سيدي الرئيس أن ما جرى وما يجري في ايران هو صراع داخلي طبيعي بين قوى وتيارات تمثل مصالح وسياسات مجتمعية ايرانية...ولكننا نعلم أيضاً أنكم أشرف الشرفاء وأنبل أبناء إيران وأطهر المناضلين..لم تغامروا ولم تتكلوا على الخارج.. نعم قد يستفيد الخارج من أحداث ايران الداخلية أو من أحداث سوريا أو ليبيا أو من كل الربيع العربي.. نعم قد يستغل الخارج هذه الأحداث...نعم قد تلتقي مصالح الغرب مع هذه الثورات.. فما المانع؟؟ وهل يعني هذا أن الشعوب مخطئة في حراكها الاجتماعي أو أنها تنفذ أجندة خارجية أو أن عليها انتظار غودو (اصلاح الأنظمة) يأتي أو لا يأتي..وهو حتماً لن يأتي وقد طال انتظاره منذ حوالي القرن في بلادنا.. نعلم من كلامكم ومن تجربتكم الرائدة أن معيار التقويم الواقعي والانساني والثوري لأي وضع سياسي معقد ومتشابك يبقى دائماً هو الناس..الشرفاء البسطاء..حياة الناس وحريتهم وكرامتهم.. ويبقى دائماً سعي البشر نحو العدالة والديمقراطية، والعزة والكرامة، لوطنهم ولمجتمعهم...
نحن يا سيدي الرئيس لم نقبل اتهام وادانة الحركات الشعبية الاجتماعية الاصلاحية بأنها عميلة للخارج لمجرد كون النظام المستبد يرفع شعارات براقة من العداء للخارج ومن الممانعة والمقاومة... نحن قلنا معكم إنه لا معنى لشعار وقف كل تحرك داخلي بحجة التفرغ لقتال العدو الخارجي أو منع التآمر الخارجي...لقد قلتم بوضوح ونحن معكم إن الذي يستجلب الخارج هو الاستبداد والتخلف.. وإن المستبد الظالم هو أوهن من خيوط العنكبوت فهو لذلك أكثر استعداداً للتنازل في المفاوضات مع الغرب.. ونحن سبق وقلنا من خبرتنا اللبنانية والعربية إن الاصولية المتطرفة وإن الاستبداد الديني المطلق هما ضروريان للغرب ولأمريكا واسرائيل لأنهما البعبع والفزاعة لدوام سباق سوق النفط والسلاح والقواعد العسكرية ولدوام العداء للاسلام وفلسطين ولدوام تخلف العرب وإيران..
سيدي الرئيس: حين نرى طلتكم البهية الراقية نعرف بأن ايران بألف خير..وبأن فجرها سيطلع برغم القمع والزنازين.. وبأننا منتصرون بكم ومعكم..
كلامكم أثلج صدور المعذبين والمضطهدين في سوريا ولبنان وليبيا والبحرين وفي كل أرض عربية تغلي بنيران الثورة الشعبية...ونحن على موعد تاريخي معكم..موعد إيران الحركة الخضراء في ربيع 2012..وهو سيكون ربيع بيروت أيضاً..يرونه بعيداً ونراه قريباً..وإن غداً لناظره قريب..
ونحن نعدكم بأننا لن نضّيع البوصلة، دائماً وأولاً وأخيراً : حياة الانسان وكرامته وحريته وحقوقه هي أغلى من كل شيء وأقدس من أي شيء: هي المعيار، وهي المقدس الوحيد.
سيدي الرئيس:
إن شعبنا ما زال يكن الحب والعشق لإيران، مشيداً بهذا التضامن والوعي فيها. كما أن شميم الأمل والحب والجدارة منكم يعطّر روحي بشذاه وعطره.
“من جديدٍ شَممتُ عِطرَك يَنْدى *** وتحيّنتُ من لِقائِك وَعْداً”