الخميس، 24 نوفمبر 2011

الدولة العراقية الى اين؟

الدكتور عادل عبد المهدي- بغداد
1-العصبية
العصبية بالمعنى الخلدوني بالنسبة للجماعات والدول هي كالنواة بالنسبة للمادة تمنحها حركتها وخصائصها.. انها عصب الشبكة. انها بالنسبة للدول اما عقائدية، «ملك الدين» و»الخلافة» او عقلية، ملك الحزم والملك السياسي او غريزية، ملك الهوى والملك الطبيعي، حسب ابن المقفع وابن خلدون بالتوالي. العصبية رابطة لجماعة محددة بتصورات تقتنع بها وتحملها سراً اوعلناً كمشروع تسعى لانتصاره.. والمشروع في سعته او ضيقه سيعكس محدودية الفكرة او ثرائها. ولكل تنظيم او دولة عصبية كالامويين والعباسيين وغيرهما. ورغم انتقال الدول للحياة الدستورية، لكن العصبيات ما زالت حاضرة في حركة الجماعات والانظمة والدول. يقول الجواهري.. «لي في العراق عصابة.. لولاهم ما كان محبوباً الي عراق». والعصبية قد يكون محورها الفرد والعائلة والقبيلة والجيش.. انها الحزب او النخبة من الطائفة والقومية والطبقة.. انها النواة الصالحة او الطالحة التي تعطي المرحلة طابعها وبرامجها وادواتها ومستقبلها. فهي النازية والبعثية والناصرية والشيوعية والديغولية والعثمانية الجديدة والمحافظون الجدد.. انها الاسلاموية والمسيحية والشيعية والسنية والكردية والتركمانية وهلم جرا.. فهل لدينا عصبية حاكمة؟ او حمالو مشروع.. ام ان الحكم سائب.. وتحالف او تصادم عصبيات؟
سقطت سلطة الادارة المدنية ولم تتشكل بعد سلطة الدستور بقدر تعلق الامر بثنائي الحضور الخارجي والدستور كمؤثرات في السلطة والدولة.. اما العصبية كعنصر ثالث معهما، فلقد اسقط التغيير سلطة او عصبية ال المجيد وال الحسن.. والمرحلة ما زالت تدافع عصبيات وجماعات في رحم الدولة، رغم اختلاف الاوزان.. فالكرد مستقرة قيادتهم وعصبيتهم القومية لحد ما.. ولم تستقر قيادات وعصبيات الاخرين بعد، ناهيك ان تستقر قيادة البلاد... مما يولد موجات التصعيد والتهدئة.. والتشبث بالدستور ورفضه.. كيف لا، واكثر القوى السياسية عصبيتها الفرد.. وتفتقد داخلها التقاليد الديمقراطية والوعي الدستوري.. في بلد خلاصه السير في هذا الطريق.. فما تقبله جماعات كبيرة ومؤثرة ترفضه جماعات كبيرة ومؤثرة اخرى. ولم تتمكن واحدة منها ان تزيح الاخرين او تجعلهم يدورون في فلكها، ناهيك اجتماعهم على عقد مشترك.. لذلك تراوح البلاد مكانها، بل تواجه اخطاراً لانقسامات متصاعدة. ولا طريق للخروج امام حاملي المشروع سوى التعصب للدستور، واعطاء كل ذي حق حقه.. وبناء طبقة سياسية نزيهة كفوءة تؤمن بالمبادىء التي تسطرها، لتستطيع ان تمنح البلاد الاستقرار والوحدة والتقدم.
2-الدولة الى أين؟ عصبيات متصادمة أم دستور حاكم؟
ما زالت التطبيقات الدستورية اضعف من الجماعات والعصبيات. لهذا سنستمر بهذا المخاض بكل مخاطره. فالقائلون بثغرات الدستور، وانه كتب بظروف خاصة قد يقدمون توصيفاً صحيحاً، لكنهم سيخطئون ان ارادوا تعطيل الدستور.. وما لم يخرج الشعب مجدداً لاستفتاء جديد، فلا مرجعية مدنية لنا غيره.. والقائلون ان هناك جماعات مهمة قاطعت الدستور يقولون الحقيقة.. لكنهم ينسون حقيقة اعظم بتأييد الغالبية للدستور.. بل يتجاهلون التحاق المخالفين وخوضهم الانتخابات، واحتلالهم مقاعدهم البرلمانية وفي المحافظات وفق الدستور. فالدستور حاكم لمن يعارض ويؤيد.. ويتفق ويختلف.. ويطلب التعديلات او يرفضها، وباختلاف الجماعات والعصبيات. وكما يفعل الشعب وهيئاته، فان السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية مكلفة بالعمل وفق الدستور تماماً.. وان تعتبر اي اجراء او قانون معارض له باطلاً، وان تحترم وتلتزم بكل قانون واجراء وفقه. وما لم نقم بذلك، وبالاستمرار باجتهاداتنا وتقديراتنا الخاصة للمصلحة، فاننا سنبقى مجرد افراد وعصبيات، لكل عصبيته.. تمزق البلاد وتعطل اليات عمل الدولة.
لذلك عندما تطالب البصرة او صلاح الدين او غيرهما بالتحول الى اقليم فانها تمارس حقها الدستوري.. فهي قد تصيب وتخطىء، كما قد يصيب ويخطىء الناخب في انتخاب هذا الحزب وتلك القائمة.. فتقدير المصلحة شيء والالتزام بنص وروح الدستور شيء اخر.. ومن يعترض، وهذا حقه وواجبه، يعترض وفق الدستور لا وفق رأيه الخاص. فمعنى الدستور وهدفه ايقاف المجادلات الخاصة والالتزام بالنصوص والمبادىء والاجراءات الحاكمة. فان وضعنا حساباتنا فوق الدستور، فاننا سنخضعه لنا بدل ان نخضع له.. فنلغي ضرورته.. لينتهي العقد الذي يجمعنا، والوثيقة التي تضبط سلوكنا. فالشعب قد حدد بالدستور هوية ووحدة ونظام البلاد.. وحدد الحقوق والصلاحيات والسلطات والمبادىء والاجراءات. واي تعطيل لذلك -ومهما كانت النوايا- سيقود البلاد الى الوراء والى الفرقة والانقسام. وكأي تشريع عام قد يعرضنا لمخاطر و خسائر وصعوبات لا نستطيع دفعها الا بالدستور.. ليبقى دون غيره الضمان الافضل لاعلى مصلحة واكثرها ديمومة. فالالتزام بالدستور مدنيا، كالايمان دينياً. يقول ابن المقفع "الدين يسلم بالايمان.. والرأي يثبت بالخصومة.. ومن جعل الدين خصومة، فقد جعل الدين راياً.. ومن جعل الراي ديناً فقد صار شارعاً، ومن كان يشرع لنفسه الدين فلا دين له". ومن يقف فوق الدستور، لا دستور له. وهذه ازمة الدولة والبلاد.