عادل عبد المهدي:
هل اللامركزية والفيدرالية ممكنة؟ ام انها طريق التقسيم والانفصال؟ وللجواب لابد من طرح سؤال اخر.. هل لدينا خيار اخر؟ وهل المركزية ممكنة ويمكنها حل مشاكلنا الكثيرة ومنها وحدتنا؟
لم يفكك تغيير 2003 المركزية بل تفككت قبله بكثير. فكردستان شبه مستقلة، ومناطق واسعة اخرى وان كان بنسب مختلفة.. ناهيك عن الانقسامات النفسية والسياسية والاجتماعية لعموم الشعب والبلاد. فالمركزية رغم توغلها التاريخي لم تحمِ نفسها الا بالقمع والاجنبي. فالعراق تعددي داخلياً ويرتبط بامم وجماعات مختلفة خارجياً، فينحو بطبيعته للامركزية.. فهو ارض الانبياء والائمة والحضارات والمدارس الفقهية والفكرية والاقوام واللغات والتاريخ الطويل. وادي الرافدين لا عيش له ان لم يدم اعمال الارواء الهيدرولية تاريخياً، والاستثمار النفطي حالياً.. وما تحتمه لاستمرار الحياة من تنظيمات عالية المستوى في طول البلاد وعرضها، ومع محيطه وجواره. مع الاقرار ان نظم الري عامل توحيدي ما دامت هناك اراض ومياه.. خلاف النفط التوحيدي بموارده، والتفكيكي التصارعي باستثماراته.. والذي مع تراجع المياه والزراعة سيشكل قلقاً شديداً على وحدة البلاد، ان لم يعِ المسؤولون خطورة سياساتهم وخطاباتهم.
فالعراق ان لم يكن ارض وحدة، فبالضرورة ارض صراع. والهدنة والاستقرار تمهيد لصراع او تعب منه. والصراع بطبيعته مخرب معطل.. يكتشف رواده عبثيتهم بعد فترة.. ليعودوا -خداعاً او قناعة- الى وحدة لا خلاص لهم الا بها. فحاول كثيرون -قديماً وحديثاً- بسط يدهم استبداداً وليس تناغماً واتفاقاً. فقتلوا وسيروا الجيوش.. وحاولوا افناء الاخر او استقدام وتوطين من هم من لونهم. فسيطروا واشاعوا ثقافة الاستبداد التي ضخت مفاهيم خاطئة كثر استعمالها، ومنها المستبد العادل.. وهو المستبد بكل شيء، والعادل بتوزيع الظلم والازمات.
فليس امامنا سوى وحدة القناعات والمنافع والتي حملها عبر التاريخ وليومنا مشروعان كبيران.. اولهما الشرع او الاسلام (وليس المسلمين دائماً) الذي جعل التعددية شرعة مقدسة ابتداءً. فقبل تعدد الديانات والثقافات والقوميات ولم يرفض الا رفع السلاح والعدوان. والثاني الاجتماع والجماعات والشورى او الديمقراطية.. بكل تجلياتها -القديمة والحديثة- والتي تسمح بالاتحاد عبر التنوع والتداول والتبايع او التعاقد. فالمركزية لم تصمد رغم الدماء والمشاريع العملاقة الجهنمية التي حملتها.. ففشلت من داخلها.. والسؤال الجدي ليس جدوى العودة اليها، بل الاشكال والاجراءات لتنفيذ اللامركزية والفيدرالية.. الحامية لوحدتنا وتقدمنا وامننا.. والملائمة للظروف الواقعية وليس الافتراضية.