عادل عبد المهدي
رغم نجاحات مؤقتة تحققها المركزية لكنها لم تقد في النهاية سوى للقمع والخراب والانقسام واضعاف البلاد وكشفها للتدخلات الاجنبية.. وتاريخياً لو قارنا حال العراق للفترتين العباسية والعثمانية.. ورغم المظالم والمآسي والنظام الوراثي المنفرد فيهما، لكن الاولى كانت اكثر عطاءاً ووحدة وانفتاحاً وتقدماً من الثانية.. ولعل سببها التعددية واللامركزية في كثير من موضوعات الولايات والجبايات وتعدد الاقوام والتسامح الديني والمذهبي الذي سمح في مراحل كثيرة لازدهار المدارس وتطور المهن وانظمة الري والثقافات المختلفة وتعايش الجماعات المتباينة.
فاللامركزية ليست غريبة على ثقافتنا وممارساتنا الا عندما تتغلب المركزية ومنطقها القمعي. فتلغي ما سواها.. وتصور نفسها وكأنها الوحدة والحقوق والامر الطبيعي، وغيرها الاستثناء والفوضى والانقسام. فالتاريخ السياسي والفقهي مليء بالامثلة عن الولايات باشكالها المختلفة. ودخلنا القرن العشرين والعراق ثلاث ولايات. وبقي العراق موحداً، وسيبقى كذلك تحميه ذات العوامل التي انشاته وابقته طوال القرون. اي طبيعته وجغرافيته وانتماءاته وعمقه في التاريخ ونسيجه الاجتماعي ودوره بين الحضارات والاقوام المستوطنة او التي تأتيه ليعيد تكييفها بشخصية متعددة الابعاد.. تمنحه القوة الهائلة بحسن استخدامها.. وتضعفه وتهدده بسوء التصرف معها.
فلم يخطيء الدستور اقراره اللامركزية والفيدرالية.. نحن اخطأنا لعدم الانتقال من المفاهيم الى التنفيذ.. مما فتح الباب لشتى الانفعالات والتفسيرات. طرحنا اقليم الوسط والجنوب.. لكن الخلافات السياسية اطاحت به بعد ان كان مطلباً اتفقت عليه القوى السبعة المشكلة للائتلاف العراقي الموحد في 2005. ثم طرحت "الفضيلة" والقاضي وائل مشروع اقليم البصرة في 2008.. والذي استكمل اجراءاته.. لكنه فشل في التصويت الشعبي. وطالبت محافظات مثل الانبار وصلاح الدين ونينوى وغيرها تشكيل اقاليم منفردة او بالاتفاق مع محافظات اخرى. فان لم ترسم اليات واضحة وبغياب الخطط العملية فسنواجه اتجاهين سلبيين.. تعزيز المركزية، وفوضى الطروحات وتهديدها للوحدة الوطنية.
سابقاً كان يمكننا التعذر بالمقاطعة والظروف الامنية.. اما اليوم فان الظروف والمطالبات تجعل الموضوع ممكناً وواقعياً، بل ضرورة امنية واقتصادية وادارية وسياسية، ان التزمنا جميعاً بالدستور. وعليه نقترح اعداد مشروع قانون لتشكيل مجلس الاتحاد.. الذي من مهامه بحث الموضوع. وفي انتظاره نرى اهمية مسارعة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجالس المحافظات لطرح ورقة عملية تضع تصوراً يضمن مصالح مختلف الاطراف، لنخرج متحدين لا مناكدين او متصادمي