توجه الفلسطينيون ومعهم الدول العربية للعالم، ممثلاً بالأمم المتحدة، لترسيخ الاعتراف بحقهم في تجسيد دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وهو الموقف الذي يتمتع بإجماع دولي غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي..وفي قاعة الجمعية العامة خاطب محمود عباس العالم بخطاب تاريخي عظيم لا يجوز التقليل من قيمته ومن اثره على الفلسطينيين أولاً وعلى المجتمع الدولي ثانياً... إنه خطاب تاريخي واستثنائي بكل المعايير ولا يجوز لفلسطيني يملك العقل والضمير أن لا يرى فيه سوى عنعنات الجاهلية وأحقاد التنظيمات والجماعات الشللية..
ولكن لا بد لنا ونحن نتحدث عن استحقاق الأمم المتحدة هذا وعن الخيارات الماثلة أمام الشعب الفلسطيني، أن نُميز بين قيام دول العالم بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبين قبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة.
فالاعتراف شيء (Recognition) ، وقبول العضوية (Admittance) شيء أخر.
إن الوضع الذي خلقه إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وما نتج عن مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ، واتفاقات أوسلو لعام 1993 ، وميلاد السلطة الوطنية الفلسطينية ، جعلت من الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية ، أمراً مُكملاً ومُسانداً لعملية السلام وليس مُناقضاً له، كما أنه لا يدخل ضمن الإجراءات أحادية الجانب على اعتبار أن الاعتراف هو قرار سيادي لكل دولة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم...وقد اعترفت عشرات الدول بدولة فلسطين منذ العام 1988..
أما في مسألة طلب فلسطين الانضمام كعضو في الأمم المتحدة (Member State)، فيتم تقديم الطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ويتضمن الطلب وثيقة رسمية في شكل إعلان قبول الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة. ويتعين على الأمين العام أن "يعرض الطلب أمام مجلس الأمن فوراً " وإرسال نسخة من الطلب إلى الجمعية العامة "للعلم فقط".والمادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن "الدول" فقط هي التي يحق لها الحصول على عضوية في الأمم المتحدة. وبالتالي فإن طلب القبول يجب أن يكون من كيان يستوفي معايير "الدولة" حسب (اتفاقية مونتيفيديو) لسنة 1933 ، بما في ذلك وجود إقليم محدد ووجود حكومة معترف بها. ومع ذلك فإن هذا لا يستبعد المتقدمين في الحالات التي لا تزال هناك خلافات كبيرة فيها حول الحدود الإقليمية. والسوابق الماضية تؤكد أيضاً أن وجود إجماع دولي حول الاعتراف ليس شرطاً مُسبقاً لتقديم طلب العضوية. الجمعية العامة للأمم المتحدة هي صاحبة القرار بشأن قبول العضوية في الأمم المتحدة. لكن حسب المادة 4 يتطلب أن يكون هذا "بناء على توصية من مجلس الأمن". بالتالي فإن مجلس الأمن هو من ينظر في طلب العضوية أولاً.
أمام العالم اليوم فرصة لتبني مقترحا جديدا قد يتمكن من تغيير مسار عقود من الفشل في محادثات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، ألا وهو: اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين عضواً كامل العضوية.ولا ننس أن دولة اسرائيل أسستها الأمم المتحدة بقرار التقسيم أولاً (القرار 181 في 29 نوفمبر 1947) ثم بقرار الاعتراف بها كدولة بعد انسحاب الاحتلال البريطاني في 14 ايار 1948..وقد صدر قرار الامم المتحدة رقم 273 (3) بتاريخ 1/5/1949.
وبعد...فقد أيدت أكثر من 120 دولة من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية المبادرة التي أطلقتها منظمة التحرير الفلسطينية ودعمتها جامعة الدول العربية ، ولكن الولايات المتحدة ودولة إسرائيل يعارضانها بشدة. ولا تزال أوروبا مترددة.
لقد فشلت مبادرات السلام، التي تقودها الولايات المتحدة، على مدى عقود، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تعتقل الفلسطينيين وتصادر أراضيهم وتشجع الاستيطان البربري وتقيم جدار الفصل العنصري وتعتدي على لبنان وتحتل الجولان، وتمنع فلسطين أن تكون كيانا سياسيا مستقلا كامل السيادة.
قد تغير المبادرة الفلسطينية الجديدة الجريئة اللعبة، وعلى أوروبا أخذ زمام المبادرة لدعم الحق.
وتوازياً مع العمل العربي المشترك أصبح من الأهمية بمكان العمل على حشد الرأي العام الدولي واعتباره جزءاً من إستراتيجية سياسية أشمل تعزز وتدعم الجهود الفلسطينية والعربية للاعتراف بدولة فلسطين.
كما يتوجب العمل على توحيد الرؤية الفلسطينية والجهد الفلسطيني تحت سقف الوحدة الوطنية والثوابت الوطنية الكبرى لشعب فلسطين..فلا يمكن أن نحاول كسب العالم ونحن نخسر أنفسنا في صراعات ومناكفات داخلية أين منها صراعات أهل بيزنطية على جنس الملائكة!
نعم إن اقتحام المجتمع الدولي بجرأة هو استمرار لخطاب ياسر عرفات عام 1974 ولقرار اعلان دولة فلسطين عام 1988... وهو أفق نضالي جديد يسمح باستنهاض الوحدة الوطنية والتلاحم الثوري لشعب فلسطين في الداخل والشتات..